ثامر الهيمص
تأتي الاختلالات في التطبيق العملي اداريا، عندما يتم اللجوء لحلول مؤقتة، في ظل ظروف استثائية وبغياب القاعدة القانونية التي تغطيها غالبا’ او في حالات الكوارث والحروب، لتغطية الطارئ وغير المتوقع. وهذه الحالة الاستثنائية تثبت القاعدة، سيما اذا تغولت وتمددت، فانها تغدو موازية للقاعدة، ليصبح العرف الاداري او الاستثناء مرجعا توافقيا ليهيمن على القرار مهمشا تفعيل الدستور ومستغنيا عن الاستفادة من التجارب المماثلة ونتائجها.
وبما انها ظاهرة تاريخية كانت لها اسبابها الموضوعية, الا انه تشكلت لها طبقة سياسية تستثمر فيها, لتصبح بديلا عن القاعدة المعيارية, اذ خلفيات الفئات صاحبة القرار غير متجانسة لا في الاهداف ولا في الادوات, وهذا الحال يحصل في الديمقراطية التوافقية, كما في لبنان كدرس تاريخي.
وهكذا تبدو’ الديمقراطية التوافقية’ بوصفها عقيدة مستحيلة الوجود. بوصفها الية, مستحيلة التحقق....
كون لكل جماعة لها تاريخها وثقافتها وقيمها واولوياتها الخاصة ايضا. وقد لا تكون مفاهيم مثل الديمقراطية نفسها بين قيم واولويات اي من هذه المجموعات. (حبيب معلوف/ اى الوراء في نقد اتجاهات التقدم /ص213 / 2010/ دار الفارابي).
فبلدنا تعرض لكثير من الهزات والحروب قياسا لجيرانه, بسب جغرافيته الاثنية والسياسية مع تاريخة الذي عرف الدولة الحديثة في عشرينات القرن المنصرم, اذ طالما كان قضاء لصراع الحضارات والمذاهب. ولذلك كان الحصاد بعد 2003 امتدادا لما جرى ويجري.
فما هي الاختلالات؟ هو ان يجري عرفا من تطبيق خارج الدستور المتفق عليه شرعا وسياسيا. اما لان الفقرة الدستورية غير مفعلة قانونيا, او اغفلها الدستور, والذي هو من الدساتير غير المرنه, ليتكرس التوافق العرفي المسيس.
فمثلا لو ان لدينا مادة او فقرة دستورية لما حصل لنا من كارثة الكهرباء الوطنية التي تشل العمران والانسان. فتماسست لدينا ظاهرة المولدات الاهلية كحل مواز لها دوائر تجهز واخرى تراقب تسعيرة الامبير, وجهات حامية متنفذة ناهيك عن لجان برلمانية للمتابعة ووزارة تتابع ودوائر النفط بمصافيها. هنا تمأسس الخلل في ضياع الحل اذي باتت حلوله بيد الشركات الاجنبية مستقبلا والتغذية الاقليمية والغاز الايراني, كل هذا من افرازات التوافقية والامركزية في القرار. نظرا للانسداد الاداري والدستوري قامونيا وعمليا.
الظاهرة الثانية هي الامتيازات المخالفة للدستور. كونه لم يترجم قانونيا, فقد شرعوا عرفا وليس دستوريا بل مخالفة لابسط مبادئه بشكل فج من مجلس الحكم الى الان امتيازات وتقاعد استثنائي سواء في مدة الخدمة او طبيعتها كما رسم البرلمان تقاعد لاعضائه واكاد اجزم انها ظاهرة لم تحصل في ايبرلمان من جلس المبعوثان حتى تاريخه, ولم يحصل في جيراننا القدوة والمتحفظ منهم, فتماسس القرار والجم الدستور لحد جارنا السابع وما ورائه. اذ ما تذكر الصحف ان 6000 الاف موظف يحتكرون ثلث الرواتب من مجموع اربعة ملايين مستلم للرواتب من ضمنهم البرلمانيين.
الظاهرة الثالثة هي مأسسة العشائرية, فنظرا للظرف الامني ولعدم استرداد الجيس الرسمي لعافيته, استعانت الدولة او الحكومة بالعشائر كما كان القائد الضرورة بعد غزو الكويت, لتتمأسس وكنتيجة للتحلخل الامني بالعشائر بسلاحها التقليدي والمنهوب والمهرب ليصل الى مرحلة السلاح فوق المتوسط احيانا, رغم ان شيخ العشيرة لا يملك سلطة من خلال ارضه عندما ملاكا للارض, لذلك تصبح قيادة العشيرة امام تنافسات داخليه لاسباب الهجرة وملاء الفراغ الامني. ولذلك كان لشيخ درجة الف نفوذا ادبيا رغم الدعم الرسمي من خلال وزارة الداخلية واللجنة البرلمانية المختصة.
اذن تتمأسس الاختلالات الناجمة عن ظروف استثنائية لتبقى شاذة عن السياق القانوني والدستوري, مثل منظومة الامتيازات بقت شاذة دستوريا وقانونيا لتترسخ كونها صاحبة القرار, وهذا الامتياز لا يجعلها تهتم بالسياق المعياري, كون الحل بات من خلال القفز, وهكذا تصبح الحلول الجذرية هي من تبقى خارج التداول مثل ظاهرة المولدات اذ بات لها سلطانها وسياقها منسجمة مع الاداء السياسي من حيث المشتركات’ من ان الخلل يديم الحال الامتيازات بارضية الخلل الكهربائي الذي يحجب المرحلة التي تليه في الصناعة والزراعة والخدمات المرتبط تطورها يالخارج من خلال ملف المياه وديمومة الاستيراد الاستهلاكي الذي تماسست حوله قوى سيياسية هي ذاتها صاحبة الامتيازات بدرجاتها الخاصة, نظرا لغياب القطاعين العام والخاص التقليدي, ليصبح عمل هذه الشريحة مستجد بمخالفات كما لمسناها في الكمارك والتهريب المسكوت عنه. لتتعانق مصلحيا مع ملف المياه والكهرباء. لادامة الامور لاصحاب الامور لتقع الطيور على اشكالها, مستعينة بعشائرها المسيسة امنيا ولوجستيا.
اما ابرز مخاطر هذه الظاهرة, فانها تسعى بنهم مفرط لتقضم ما تبقى من خلال شل الدستور غير المرن ليكون اكثر صلابة, باسم الذود عن الهوية الفرعية كقاعدة انتخابية مشروعة كزبائن للدورة القادمة وهكذا تكرست الحالة انها تماسست.
نخلص الى استحالة الادوات اعلاه في صناعة التنمية المزمع اقامتها التي تفتقر كليا للنزعة الوطنية مادامت تنظر بعين الهوية الفرعية, على الاقل من خلال وعود 22 عام لانها اعلنت افلاسها. لذلك فأن اللبنات الاساسية لمعمار النظام الديمقراطي ينبغي ان تخلق من العدم’ بدل اعادة اكتشافها وسط حطام الثقافة السياسية العراقية. (جاريث ستانسقيلد/ المجتمع العراقي / حفريات سسيولوجية في الاثنيات والطوائف والطبقات //ص243/ 2006 /ط اولى / معهد الدراسات الستراتيجية).
وبما ان مأسسة الاختلالات تتفاقم غير عابئة بـلنتائج وسط اقليم مضطرب مما يفاقمها كلا حسب اولوياته ومصالحة كدول مجاورة ينظر لنا كحديقة ليست امامية. ينبغي التأكيد مدنيا وشعبيا وشرعيا ووطنيا على القناعات التي تأسست بعد سفر الديمقراطية العرجاء الحالية. ومن هنا الخوف من تتحول المأسسه للاختلالات الى مكب لنفايات التنافس غير الديمقراطي كمرحلة استثنائية, لتتوطد كامر واقع ليكرسها نظام اقليمي ودولي, لا تحمينا تحالفات سرية ولا علنية دوليأ او اقليميا, ما دمت ادواتنا غير عراقية عمليا. فاغلب المجتمع العراقي مقتنع بالديمقراطية والعدالة بعد ان عاش المرحلة, ولا يرغب اجمالا باعادة التدوير لمأسسة الاختلالاات لتصبح الطوارئ باستثنائاتها هي العمود لخيمة الوطن, من خلال دستور له قوانينة بدون موازات جانبية او مهيمنة سابقا او لاحقا عمليا.