علي إبراهـيم الدليمي
تمر علينا ذكرى رحيل الفنان الكبير والمتميز في عطائه طالب مكي، الذي ترك بصمة فنية متفردة في عالم الرسم والنحت، ورسوم عالم الأطفال.
تميزت تجربة طالب مكي طول مسيرته الفنية، في الرسم والنحت منذ بداياته الفنية بأنها لا تشبه أية تجربة تشكيلية عراقية أو عربية أو عالمية.
فلهذه التجربة ميزة خاصة تمتلك روحية متفاعلة، ولها جذور عميقة في حضارة وادي الرافدين. وكأنه يمتلك "مشيماً خاصاً، يتغذى منه لنفسه"، ولغزاً محيّراً في كيفية إيحاء واستلهام وطرح أفكاره المتفردة التي اتسمت بمفهوم فكري متجدد، مستلهماً الرموز التأريخية من الفن السومري والأشوري، ومزاوجتها مع العناصر الفولكلورية الشعبية العراقية، إلا أن سيطرة وهيمنة فن النحت على طالب مكي، قد أنسحبت كذلك جلياً على لوحاته الزيتية، وتخطيطاته الورقية، حيث أبراز الكتل اللونية الحادة والقاسية في قوتها، التي تتميز غالباً بالشكل الهندسي الضخم، لتفرض سطوتها الكاملة على ميوعة ونعومة سطح القماشة ومفهومها التقني.
ما يميز مسيرة طالب مكي بشكل لافت هو كونه فنانا حُرم من نعمة النطق والسمع، لكنه يمتلك حصافة ذهنية متقدة، وحبا أزليا لرسالته الفنية المخضبة والمعفرة بتراب ورائحة زمان ومكان بلده العراق وحضاراته المتتالية.. وكأن هذا "الحرمان" هبة السماء لطالب مكي ليكون "فريداً" في عطائه الثري والكبير.
ولد طالب مكي سنة 1936في ذي قار، وفي سنة 1952 التحق بمعهد الفنون الجميلة قسم الرسم، ليتتلمذ على يد الفنان "فائق حسن". ولكن تأثير النحات الكبير "جواد سليم" دفعه نحو ولعه بالنحت للتتلمذ على يده، ويزامله ويلازمه فعلاً حتى وفاة أستاذه. وكان طالب مكي تلميذاً وفناناً بارعاً طوال مدة مسيرته مع جواد سليم، الذي قال عنه: "إن طالب مكي هو الفنان الذي يمكن أن يفعل شيئًا من بعدي".
تميزت أعمال طالب مكي، في النحت والرسم، بمفهوم فكري متجدد، مستلهما الرموز التاريخية من الفن السومري والآشوري، ومزاوجتها مع العناصر الفولكلورية الشعبية العراقية. ويعكس وصفنا هذا لقدرة طالب مكي على نقل جوهر رؤيته النحتية إلى وسائط أخرى، مما يضيف عمقا وقوة تعبيرية لأعماله التصويرية.
عمل الفنان الراحل رساما توضيحيا في مجلة (العاملون في النفط) منذ العام 1960. عمل معلما للرسم في معهد الصم والبكم منذ العام 1966. شارك في المعارض الجماعية التي أقيمت داخل العراق وخارجه. يعد من الأعضاء المؤسسين في "جماعة المجددين" التي أقامت معارضها الخمسة خلال الأعوام (1965- 1968). والتي ضمت كل من الفنانين: نداء كاظم، وسالم الدباغ، وصالح الجميعي، وعامر العبيدي، وفائق حسن، وإبراهيم زاير، وسلمان عباس. تميزت هذه الجماعة بنشاطها الفني الموضوعي والفكري المتجدد.
يُعد الفنان "طالب مكي" رائدا في مجال رسوم الأطفال في العراق، وقد بدأ مسيرته الفنية في عام 1969 من خلال "مجلتي والمزمار". كان من أوائل المؤسسين لـ "دار ثقافة الأطفال" في العراق، وشغل منصب رئيس الرسامين فيها، حيث وضع الأسس الجادة لعملية الرسم للأطفال.