TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كلاكيت: تحولات السينما العراقية

كلاكيت: تحولات السينما العراقية

نشر في: 19 يونيو, 2025: 12:13 ص

 علاء المفرجي

تاريخ السينما العراقية طويلٌ قياساً إلى مثيلاتها في باقي دول المنطقة، إذ إنّها لم تبدأ بالإنتاج إلاّ في منتصف أربعينيات القرن العشرين، والإنتاج الأول مُشتركٌ مع مصر. كما لم تستطع، منذ بداية الإنتاج، أن تفرض حضوراً في المشهد السينمائي، أقلّه العربي، إلّا بأفلامٍ روائية لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة.
ورغم تبنّي قطاع الدولة العام مهمّة الإنتاج بدءاً من ستينيات القرن المنصرم حتّى توقّفه في مطلع تسعينياته، لم يستطع أن يساهم في خلق سينما عراقية متقدّمة.
بعد عام 2003، بدأت صفحة جديدة في مسيرة هذه السينما، بل انعطافة ثورية. ذلك أنّها استفادت من فضاء الحرية الذي ساد بعد انهيار النظام السابق، وتوالت الأفلام التي في أغلبها قصيرة. تدشين هذه المرحلة حصل مع الروائي الطويل "غير صالح للعرض" (2005) لعدي رشيد، الذي التقط الفوضى المأسوية بعد تحرير العراق من قِبل قوات التحالف الدولي عام 2003، وتراكمات ما سبقه من مأساة القمع الديكتاتوري. كلّ ذلك في إطار لوحةٍ لإنسان عراقي تتقاطع فيها المعاناة المضنية للشخصية وتاريخها الموسوم بالمعاناة أيضاً.
سلّط رشيد الضوء على ما وصل إليه الوضع في البلد، عبر مدينةٍ تعيش في عبء أزيز الرصاص ودوي التفجيرات الناجمة عن مفخّخات تترك أشلاء القتلى في كلّ مكان. مدينة كانت يوماً منارة للثقافة والشعر.
أتاح "غير صالح للعرض" صنع أفلامٍ أخرى لزملاء رشيد، بقياس أسلوب تنفيذه وحماسة كادره، والنتائج الإيجابية التي صاحبت عرضه. كان المؤشّر الذي أشعل همّة الشباب في صنع الأفلام، ومنذ ذاك الوقت إلى الآن، أنتِجَت أفلام عدّة لشباب في العراق وخارجه، استطاع بعضهم تشكيل حضورٍ لافتٍ للانتباه في المشهد السينمائي العراقي.
لكنّ مشكلة هذه الأفلام بوجود ثيمات تكاد تكون متماثلة في قراءتها الواقع العراقي المحتدم، فمخرجو الخارج انصرفوا إلى موضوعات تتعلّق بالنفي والهجرة والهوية. إضافةً إلى أنّ الأفلام المنتجة في الداخل كانت غالبيتها الأعمّ قصيرة ومتقشّفة من ناحية التكاليف، بينما انحصرت الأفلام الطويلة بالمخرجين المقيمين في البلدان الأجنبية، وكذلك المخرجين الكرد، بسب تمويل جهات أوروبية عدّة.
إذاً، نحن أمام موضوع واحد هَيمَن على النتاج الفيلمي العراقي بعد عام 2003: الحدث العراقي، بتفاصيله وتداعياته وأثره الاجتماعي والنفسي، خاصة في أفلامٍ نالت جوائز في مهرجانات مختلفة.
لكنّ المشكلة تتمثّل في أسلوب المعالجة، والقدرة على إقناع المتلقّي بهول الحدث ومأسويته، من دون الوقوع في أسر الوثيقة، أي المادة الرئيسية لمتن كلّ موضوعات هذه الأفلام. لا فرق هنا بين وثائقي وروائي طويل. وهذا يوحي بعجز واضح عند صنّاع هذه الأفلام على تمثّل الحدث، وإعادة إنتاجه من دون أن يفقد حرارة الفعل والتأثير.
إزاء هذه الحالة، أستطيع القول إنّ المصادفة شاءت أن يكون مخرج مثل عدي رشيد من يُحدّد ملامح سينما المستقبل، كما كان أول من قاد الشباب إلى أهمية السينما بعد 2003. فجديده "أناشيد آدم"، الذي عُرض أول مرة عشية عام 2025، أتاح تلمّس أنّ السينما العراقية بدأت الابتعاد عن موضوعات الحرب وتفاصيلها المستهلكة في أفلامٍ كثيرة سابقة. هذا الفيلم غاص في موضوع محلي، جعلت المتلقّي ينغمس في تفاصيل صنعته، من أحداث وشخصيات وطريقة سرد حكايته، وتضمّن ما يتعاطف معه المتلقّي، لاقتفائه أثر ما يعشيه الوطن، وما يُقلق إنسانه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram