TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: الإلياذة العراقية

العمود الثامن: الإلياذة العراقية

نشر في: 19 يونيو, 2025: 12:21 ص

 علي حسين

كان الرئيس الفرنسي الرحل فرنسوا ميتران يعشق قراءة الملحمة الإغريقية "الإلياذة" وقد أخبر ذات يوم رئيس الوزراء دبيير مورواو أن العالم لا يزال يعيش مفاجأة حصان طروادة.
تروي لنا إلياذة هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية. فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا حصانًا خشبيًا ضخمًا، ملأوا داخله بالمقاتلين، ثم تركوه عند باب المدينة.. وفي الصباح تطلّع أهالي طروادة إلى الحصان فقالوا لأنفسهم، إن الآلهة رضيت عنا أخيرًا، فأرسلت لنا هذه الهدية.
أتذكر أنني أعدت قراءة الإلياذة في أكثر من ترجمة، وفي كل مرة أعيد قراءتها أجد نفسي إزاء حكاية أخرى للجهل الذي يحيط بنا جميعا، ولعل الدرس الذي أراد أن يقدمه لنا الشاعر هوميروس هو: من السهل أن تقع في الفخ.. ويعلمنا أن أكثر الرذائل المستعصية على التقويم هي من قبيل جهل الذي يتوهم بأنه يعرف كل شيء.
الجميع أعداء ومتآمرون إلا أنت وجماعتك، لذلك لا يسمح لك بمغادرة أرض الخوف، مواطن خائف ومذعور أفضل عندهم من أولئك المغامرين بجرأتهم والمبادرين بانفتاحهم، الخائفون يسهل اقتيادهم وتدجينهم، يسهل غمر عقولهم بسيناريوهات المؤامرات التي لا يظهر لها دليل ولا برهان، يسهل إقناعهم بالخطر الذي يتهدد الناس حتى في بيوتهم .
أيها السادة يا من تجتمعون بين حين وآخر تحت قبة برلمان العراق، عليكم أن تقرأوا الإلياذة العراقية جيدًا وإياكم من الظن بأن الديموقراطية تعني الزهو والانتصار لمجرد حصول البعض منكم على الأكثرية.. عندما ينتصر حزب في ألمانيا أو بريطانيا أو فرنسا لا يطرد الآخرين خارج حلبة السياسة، ولا يشتمهم في الفضائيات.. ولا يخونهم.. بل تقضي الديموقراطية أن يكون كل سياسي ضامنًا لمصالح جميع الناس، حاميًا لكراماتهم .
والآن دعونا نسأل: ما هي قائمة الكتب المفضلة عند بعض سياسيينا؟ من قرأ منهم وعاظ السلاطين لعلي الوردي أو تاريخ الوزارات العراقية للحسني؟.. او من منهم يعرف ان هناك كاتبا عراقيا اسمه غائب طعمة فرمان كتب ملحمة هذا الشعب في رواياته، وكان تكريمه ان تحول بيته الى مكبٍ للنفايات؟ .
يحدثنا المفكر الأميركي نعوم تشومسكي في واحد من كتبه وهو يستعرض مجموعة من الستراتيجيات التي تتبعها أنظمة الفشل للتحكم في البشر، ومن بينها ستراتيجية تقوم على تشجيع الناس على استحسان الرداءة، بحيث يجدون أنه من "الرائع" أن يعم الجهل والانتهازية والمحسوبية، لأن كل ذلك في نظر الحكومات الفاشلة مرغوب ومقبول.
يكتب ميتران هذه العبارة المؤثرة: ''يفقد الإنسان اتصاله بالواقع إذا لم يكن محاطًا بكتبه" بينما يفقد ساستنا اتصالهم بالواقع يوميًا، لأنهم محاطون بالجهلة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. د. محمد عزيز زازا

    منذ 6 شهور

    شكراً جزيلاً لمقالاتك الجميلة. ومن منهم يعرف علي الشوك مثلا.

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram