TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مآلات العراق والتداعيات النووية للحرب الإسرائيلية – الإيرانية

مآلات العراق والتداعيات النووية للحرب الإسرائيلية – الإيرانية

نشر في: 22 يونيو, 2025: 12:01 ص

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

لن أستطيع أن أقدم إنطباعات وتصورات عن مآلات العراق وتداعيات الحرب الاسرائيلية – الايرانية دون استرجاع ذكريات تخص ضرب اسرائيل مفاعل تموز العراقي في عام 1980 خلال المرحلة المتقدمة للحرب العراقية – الايرانية (1980 -1988) حيث باغت سلاح الجوي الاسرائيلي الدفاعات العراقية وقامت بدمير مفاعل تموز خلال مدة أمدها دقيقتان أضحى عقبها أثرا بعد عين رغم كل التكلفة المالية، العملية والخبرات البشرية التي وضعت لتأسيسه كي يكون باكورة حيوية لمنظومة نووية متقدمة يعتز بها العراق، بغض النظرعن طبيعة ومستقبل التوجهات التي حددتها قيادة النظام العراقي الدكتاتوري السابق للعراق سواءا بإتجاه أنخراط مثل هذه المنظومة بأتجاه بحثي – سلمي او كما رأى فريق آخر على أن الهدف يتمحور حول أستخداماتها الحربية ضد اسرائيل أو دول الجوار خاصة ايران. إن مؤسسة الطاقة النووية العراقية رغم الجهود التي بذلت وتبذل عقب 2003 لإنعاشها بحاجة للمزيد من الاهتمام والمتابعة الحثيثة بهدف تمكين العراق من إستعادة دوره السلمي في بناء طاقة متجددة الامر الذي سيسمح للعراق بتنويع مصادر الطاقة الغير أحفورية (نفط وغاز طبيعي) بأتجاه أيحمل آفاقا توسع من دائرة الخيارات لإنواع أخرى من الطاقة المتجددة بخاصة الطاقة الشمسية وغيرها من الطاقة الخضراء النظيفة (طاقة الهيدروجين والرياح والمياه). لعل الانطباعات والتصورات الراهنة حتى كتابة المقال تبين أن تداعيات الحرب الاسرائيلية – الايرانية توضح بما لايدع مجالا للشك أن العراق وغيره من دول الجوار عليها أن تخرج من محيط الضعف الستراتيجي إلى ميدان القوة الستراتيجية بمعناها الشامل الذي يوفر أمكانات او قدرات الردع الستراتيجي ضد القوة الاسرائيلية الغاشمة التي تود أن تبقى اسرائيل القوة المهيمنة على شؤون المنطقة من منطلق سعي نتنياهو وجناحه اليمني المتطرف بل وحتى يساره أن يرسم مخططا للشرق الاوسط الجديد وفقا للمنظور الصهيوني (أرضك يا اسرائيل من النيل إلى الفرات - اسرائيل الكبرى). مخطط مدعوم ومساند من قبل الولايات المتحدة الامريكية والغرب عموما بأستثناء عدد من الدول التي وجدت أن المخطط الصهيوني يضر بمصالحها الجيوسياسية او التي تعتقد أن اسرائيل تمادت كثيرا في فرض واقع ما يعرف بالسلام الروماني بالقوة: Pax Romanica اي السلام بمعنى الاستسلام للقوى المهيمنة على العالم (ترامب - الولايات المتحدة الامريكية) واسرائيل - نتنياهو (في المحيط الاقليمي – الشرق اوسطي – الخليجي).
من التداعيات التي تجري راهنا القصف والتدمير الجوي الممنهج الاسرائيلي للمنظومة النووية الايرانية ولنخبة علماء الذرة لتي لن تتوقف وفقا للخطة المعدة اسرائيليا إلا بعد أن تنهي حكومة تنياهو كامل النظام النووي الايراني كمقدمة اساسية لاسقاط النظام الايراني بقيادة المرشد الايراني الاعلى السيد علي خامنئي الذي عد وفقا لاخر التقارير الاسرائيلية هدفا مبررا للاغتيال الامر الذي إن حدث (لا سامح الله) سيفتح الباب على مصراعيه على توقعات اندلاع حرب اقليمية مدمرة على كافة الصعد أمنيا – بيئيا، اقتصاديا وأنسانيا. إذخلال قصف مفاعل بوشهر الايراني الواقع على محيط التماس من منطقة الخليج العربي قبل ساعات قليلة تسارعت التداعيات الخطيرة التي من ضمنها إمكانية حدوث تسرب اشعاعي (حتى ولو كان محدودا) آثاره ستكون وخيمة على دول منطقة الخليج العربي إذ ستترتب نتائج كارثية بيئيا ربما يتعدى محيطنا الخارجي ايضا. أما ضرب مفاعل فوردو تحت سلسلة الجبال التي تحمل ذات الاسم لن تكون هينة خاصة وإنها تقع على بعد مئات الامتار الامر الذي دعى اسرائيل للاستنجاد بالطرف الامريكي للمشاركة مع اسرائيل بقصفه جوا لإن الطرف الامريكي الوحيد الذي لديه مثل هذه التقنية التي تنقل الاطنان الكبرى للقذائف المعدة من قبل طائرات B52 بهدف إختراق مئات الامتار تحت الارض. على اية حال القرار الامريكي بالمشاركة في هذه الحرب لم يتخذ بعد من قبل الرئيس ترامب ولكنه قابل إن أتخذ لإن يطلق شرارات حرب اقليمية مدمرة لا سامح الله لمنطقة الشرق الاوسط والخليج العربي وهي مسألة لن يكون العراق بعيدا عنها بشكل غير مباشر. إلا أنه في اقل التقديرات هناك احتمالات خطيرة للتلوث البيئي الاقليمي ليس فقط تلك الناجمة من مفاعلي بوشهر وفوردو بل من كل مفاعلات واجهزة التخصيب من مفاعلات نتانز،طهران - كونداب (محطة الابحاث للماء الثقيل)، اصفهان وغيرها من مفاعلات مخصصة لاغراض سلمية – علمية – طبية وخدمية تلبي احتياجات السكان من الطاقة وغيرها من الاحتياجات الانسانية. المرحلة الحرجة تستوجب استقطابا للجهود الدبلوماسية للحد من التعنت الاسرائيلي الذي وصل لحدود غير متيقن منها وغير مقبولة من قبل المجتمع الدولي. للعراق دور مميز يجب أن يفعل.
إنطلاقا مما تقدم لابد من إتخاذ الاجراءات التالية:
تدعيم وتعزيز جهود المجتمع الدولي لمحاسبة اسرائيل وفقا لإجراءات القانون الدولي العام والانساني خاصة وأن النظام الاسرائيلي خرق كافةمنظمات القيم الانسانية والقانونية والدبلوماسية والثقافية - الاعلامية بضمنها الاحداث الاخيرة التي ارتكبتها حكومة نتنياهو في عدوان اسرائيلي مباغت ضد ايران بينما استعدت الاخيرة للدخول في مفاوضات الجولة السادسة للوصول لحل مرضي مقبول دوليا يتم من خلاله تخفيض نسب التخصيب لليورانيوم تحت (ضمانة امريكية - دولية).
لا تكفي أجراءات الاستنكار وتخفيف التصعيد الراهن طالما لم يتم محاسبة اسرائيل عن جرائم الحرب، ضد الانسانية، والابادة الجماعية في عموم منطقة الشرق الاوسط بدءا من غزة مرورا بالضفة الغربية ولبنان وسوريا واخيرا ما يحدث من المسار الخطير الذي تنحو إليه اسرائيل من تدمير ممنهج لمحطات تخصيب اليورانيوم وللمفاعلات النووية السلمية في ايران مع مخاطر التلوث النووي البيئي الخطير خاصة وأن اسرائيل ذاتها لديها مخزون من السلاح النووي مابين 100 إلى 200 رأس نووي بأمكانه تهديد اقليم الشرق الاوسط والخليج العربي ما يجعل بعض دول المنطقة تشعر بأنها بحاجة لحماية ذواتها من خلال تأسيس برامج للدفاع النووي بعيدا عن التوجهات السلمية كلما أمكن ذلك.
إن جعل منطقة الشرق الاوسط والخليج العربي محيطا مواتيا لتلبية الاحتياجات السلمية الخدمية من الطاقة النووية مسألة اساسية تبعدنا عن اية توجهات حربية كالتي تنتهجها اسرائيل اوربما ايران التي لم تصل بعد لمرحلة التحول لإنتاج سلاح نووي مرحلة قد يتم تجاوزها في حالة إنهاء البرنامج النووي السلمي الايراني من قبل الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل معا.
لعل من المناسب القول بن على وكالة الطاقة النووية التابعة للامم المتحدة أن تلعب دورا أكثر توازنا موضوعيا محايدا يدعو دول العالم الغير موقعة على وثيقة الانضمام أن تنجز عضوية الوكالة وإلا ستنسحب ايران أوغيرها من الدول التي تملك برامج نووية كونها ستشعر إن عاجلا أم عاجلا بإن الوكالة تتبع ازدواجية في التعامل مع الدول خاصة بين اسرائيل وايران ما يخلق حالة من الغموض الستراتيجي النووي في محيط اقليمنا يحمل في طياته وضعا هشا قابلا للاستغلال من قبل اسرائيل لفرض ارادتها السياسية المهيمنة التي تعني بوضوح أنها ستبقى القوة النووية الوحيدة وإن لم تصرح علنا بأمتلاكها سلاحا نوويا ولكن كل الدلائل تشير امتلاكها مئات الرؤوس النووية.
ملحوظة نهائية: العالم على مفترق طرق خطير ولكن اين الانظمة السياسية العربية من ما يجري من أحداث خاصة من نتائج الحرب الاسرائيلية - الايرانية إذ لاتنم بعد عن بلورة استراتيجية عربية موحدة للطاقة النووية تتحرك من خلال تحالفات مؤثرة مؤيدة لإقامة منطقة منزوعة من السلاح النووي (الاتحاد الاوروبي، روسيا والصين). إن دور الجامعات العراقية والعربية والخبراء والاعلاميون لازال حيويا للتعريف بحقائق الامور من الدور الاسرائيلي وتداعياته الخطيرة على السلم والامن الدولي. لذا فإن للعراق دورا حيويا لابد أن يلعبه لتنمية الطاقة النووية للاغراض السلمية إتساقا مع تنمية قطاعات الاساسية للزراعة، الصناعة والخدمات والتقنيات الحديثة بالتنسيق مع القوى الاقليمية والدولية المساندة لعدم زعزعة النظام العالمي في منع انتشار القوة النووية لاغراض عسكرية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram