ميسلون هاديأية مفارقة صارخة تلك التي تجعل هذه اللهمدة الاسمنتية العملاقة، التي تقطع جسر الجمهورية لحماية المنطقة الخضراء، تشخص أمام نصب الحرية الذي تظاهر تحته العراقيون؟!... أية مفارقة تلك التي تجعل ذلك الجدار العالي القبيح يرمز لبغداد الحكومة.. ونصب الحرية الرائع الجميل يرمز لبغداد المتظاهرين؟!...
كم كان نشازاً أن يبدو ذلك الجدار أعلى من نصب الحرية وأعلى من المتظاهرين وأعلى من بغداد كلها.... كان مرتاحاً ومطمئناً في بشاعته وبشاعة أولاده من أطنان الكتل الكونكريتية التي تشوه شوارع بغداد طولاً وعرضاً وتقطّع أوصالها بلا رحمة.... جلمود بلون الرماد في كل مكان من أمكنة العراق بل في كل قرية وناحية وجرد ودربونة.. جاثمة على صدر بغداد وصدور الناس.. هل هناك طريقة لحماية الناس أبشع من هذه الطريقة؟ أوهمونا بأن حماية بغداد غير ممكنة بغير هذه الطريقة... وضعونا داخل هذه الثكنة وقالوا إنها لحمايتنا من الاعداء.. فإذا الأعداء منا وبينا.. وحاميها حراميها.. والذين يحكمون البلاد هم أشد الخائفين من زوال القسمة فيخسرون ناتج القسمة الطويلة... الآن أدركنا لماذا قسمت بغداد بتلك الجدران... ليس صحيحاً أنها شر لا بد منه.. ليس صحيحاً أن الاحتقان الطائفي كان هو السبب.. ليس صحيحاً أن التاريخ هو السبب. الشعب الذي أدرك وحدته تحت كل الظروف سيصحح هذا الوهم لأنه اختبره وضاق به.. ولربما أثبت في ساحة التحرير أنه أوعى من تلك النخب السياسية التي لم تبذل جهداً أخلاقياً بسيطاً للتجاوز وإثبات الوطنية .. معنى ذلك أنها في غيبوبة الماضي ولا تريد طي صفحة الماضي.. والناس يريدون.. فثماني سنوات تكفي الطفل لأن يصبح راشداً، فكيف لا تكفي لبلوغ الرشد والتوفيق بين الإخوة الأعداء؟..كم كان جميلاً اتحاد الجماهير بتلك الروح الخالية من عصبية الانتماء للطائفة .. بينما الحكومة ترتعد من تلك الشراكة الوطنية الحقيقية.. لا تريد شراكة بدون علاقة الخاسر بالمنتصر والغالب بالمغلوب... معنى ذلك أن إحياء العظام الرميم أسهل من التسامح والتعايش بين قادة هذا البلد... معنى ذلك أن الحديث عن الخطط الأمنية هي أوهام الذين حبسونا في هذه الجدران ثم قالوا نجحت تلك الخطط.. معنى ذلك أننا سنقضي في تلك الجدران عقوبة السجن المؤبد ونعيش ونموت فيها دون أن نرى بغداد الحلم مرة أخرى... متى نرى بغداد مرة أخرى؟... هل سنراها بعد أن ظننا أننا لن نراها مرة أخرى بدون تلك الجدران التي ملأت الشوارع. لو لم تكن موجودة في رؤوسهم لما كان لها مكان على أرض الواقع.
لُهْمدة جسر الجمهورية.. تقابل نصب الحرية
نشر في: 1 مارس, 2011: 05:57 م