علاء المفرجي
الباحث في شؤون التراث الثقافي أمير دوشي أصدر كتابا بعنوان (هل يستطيع الملحق أن يتكلم؟) وهو الكتاب الذي ينضم الى ما ألفه دوشي فيما خص الحفاظ على التراث الثقافي العراقي الذي تعرض الى النهب خلال الاحتلال الأمريكي للعراق.
ومن المؤكد أن عدم وضوح الحدود بين الحقيقة والكذب لم يبدأ مع الغزو الامريكي للعراق عام 2003. كانت المعلومات المضللة جزءًا من الحرب منذ أيام الإسكندر الأكبر على الأقل، الذي زرع دروعًا كبيرة في أعقاب انسحاب قواته لإقناع العدو بأن جنوده كانوا عمالقة.
من هو "الصحفي الملحق" إذن؟ يجبب المؤلف: الصحفي الملحق هو الشخص الذي يبقى مع وحدة من القوات المسلحة أثناء الحرب لتقديم تقارير مباشرة عن الأنشطة القتالية. تتضمن إرشادات البنتاغون بشأن الإلحاق (وزارة الدفاع الأمريكية: 2003) ما يلي:
لن يتم نشر أي معلومات حول الاشتباكات الجارية ما لم يأذن بذلك القائد الموجود في مكان الحدث، ولن يتم نشر المعلومات حول الاشتباكات السابقة إلا إذا تمت مناقشتها بعبارات عامة.
يُحظر نشر التقارير التي تحتوي على معلومات حول تحركات القوات "القوات الصديقة" وانتشارها، ويمنع منعا باتا تقديم معلومات عن العمليات المستقبلية. وسيتم تعيين الصحفيين إلى وحدة معينة. ملا توجد وسائل نقل خاصة. ممنوع استخدام الأسلحة النارية الشخصية. يجب أن تكون جميع المقابلات مع الأفراد العسكريين "مسجَّلة"
الصحفي المخضرم أوري أفنيري هو من صاغ كلمة "صحاهرة"، موضحًا أنه "في العصور الوسطى، كانت الجيوش مصحوبة بأعداد كبيرة من البغايا. وفي حرب العراق، رافق الجيشان الأميركي والبريطاني أعداد كبيرة من الصحافيين. لقد صاغ المعادل العبري لكلمة دعارة "صحارة"، للإشارة إلى الصحفيين الذين يحولون وسائل الإعلام إلى عاهرات. الأطباء ملزمون بقسم أبقراط بإنقاذ الحياة قدر الإمكان. الصحفيون ملزمون بالشرف المهني في قول الحقيقة كما يرونها.
Press صحافة + prostitute عاهرة = presstitue صحاهرة، ومزج كلمة صحافة مع عاهرة انتج كلمة جديدة (صحاهرة). وقد كان للشرعية الأكاديمية والثقافية لغزو عام 2003 التي قدمها نظام الصحفي والآثاري الملحق بقوات الجيش الامريكي والانكليزي آثار غير مباشرة على التغطية الإعلامية وعلى التقارير الصحفية عن نهب المتحف العراقي في عام 2003. لقد تنازل عالم الآثار والصحفي الملحق بالكامل عن مفهوم الموضوعية، واستبدله بـ مفاهيم "القيم" والمصلحة الذاتية. إن عالم الآثار الملحق يشبه الصحفي الملحق، الذي ينتج أخبارًا متحيزة، والأسوأ من ذلك، أنه يصبح جزءًا من آلة الحرب.
ان نظام الصحفي والاثار الملحق لا يغيب استقلالية ومهنية الصحفي والآثاري حسب، بل كذلك قدرته على القراءة والتأويل و النقد ومن ثم قدرته على قول الحقيقة. وعن التناص في عنوان الكتاب مع كتاب للمفكرة الهندية غاتري سبيفاك "هل يستطيع التابع ان يتكلم "! !؟ يشير الباحث أمير دوشي:
جاء عنوان الكتاب متداخلا مع عنوان كتاب "هل يستطيع التابع ان يتكلم!" لغاتري سبيفاك التي ترى أن التفكير الأكاديمي الغربي يتم إنتاجه من أجل دعم المصالح الاقتصادية الغربية وأن المعرفة ليست بريئة أبدًا: أنها تعبر عن مصالح منتجيها. فالمعرفة بالنسبة لسبيفاك هي مثل أي سلعة أخرى يتم تصديرها من الغرب إلى العالم الثالث لتحقيق مكاسب مالية وغيرها. تتساءل الكاتبة "هل يستطيع التابع أن يتكلم؟ "يبدو السؤال كأنه نوع من الاستفهام الاستنكاري، فمن الطبيعي أن يتكلم التابع، فهو كائن بشري يستطيع الكلام، والكتابة، والتعبير، لكن الفكرة التي تريد سبيفاك ان تطرحها هي هل توفرت السياقات الثقافية الملائمة للتابع لكي يتكلم؟ هل يتمكن من الحديث، وإسماع الآخرين صوته وتمثيل ذاته؟ فالشعوب المستعمرة سلب منها حق تمثيل نفسها، أي سلبت حق الكلام، والكلام هو الوسيلة الوحيدة لتأسيس معرفة متماسكة عن التابع، ووعيه، ووجوده. بعبارة أخرى فثمة فرق بين الفكرة القائلة إن التابع فرد مندمج في جماعة، والأخرى القائلة إنه كائن جرى تمثيله عبر الخطاب الاستعماري. وترى سبيفاك بأن وعي التابع يتمثل لتأثيرات النخبة، فتلك التأثيرات هي التي تشكله بسبب قوتها وهيمنتها، فيتعذر استعادة صوت التابع بصورته الحقيقية، بل لا حقيقة له، لأنه موجود فقط عبر تمثيل قوة النخبة، وثقافة الاستعمار:" باختصار فهو مشوه، ومنبثق ضمن استراتيجيات خطاب أقوى يستحيل اختزاله.". وحيث ان المهمة الاولى للصحفي وعالم الاثار هي قول الحقيقة، جاء الكتاب ليتساءل "هل يستطيع عالم الآثار والصحفي الملحق أن يتكلم: يقول الحقيقة!!!" يمكن اعتبار القطع الإثارية نفسها أصواتًا تابعة. فهي تحمل قصصًا عن مجتمعات وثقافات وأفراد في الماضي. ومع ذلك، عندما يتم التنقيب عن هذه القطع الأثرية في منطقة حرب، غالبًا ما تغرق أصواتها في ضجيج الصراع.
هل يستطيع الملحق أن يتكلم؟

نشر في: 23 يونيو, 2025: 12:01 ص









