علي حسين
ما معنى أن يُقدم عدد من اعضاء المحكمة الاتحادية استقالتهم.. ما معنى ان يصر رئيس المجكمة الاتحادية ان يحولها الى جهة سياسية تابعة للبرلمان؟.
أقرأ كل يوم آراء لخبراء أجلاء يحذرون من دس انف المحكمة الاتحادية في السياسة، لكني في نفس الوقت أشاهد برلمانياً "يتلمظ" أمام الشاشات، وهو يؤكد أن القانون سيحمي العراقيين، أما إقرار قوانين تهم الناس فهذا أمر متروك للحظ والنصيب الذي سيطروا على احوال العراق ومستقبله وأمنه.
لعل السؤال الأهم لمن يتابع إصرار البرلمان على تحويل المحكمة الاتحادية الى تابع له هو: هل ما يجري الآن، مقطوع الصلة بما جرى ويجري من خراب خلال السنوات الماضية، وأن سلوكيات معظم النواب ليست بعيدة عن نظام دولة المحاصصة الطائفية، ووثيق الصلة أيضاً بحرائق التعصب والانغلاق التي يراد لها أن تنتشر اليوم في أكثر من مكان؟ فحملات إعادة العراق إلى القرون الوسطى التي رفع راياتها ذات يوم "المجاهد" كامل الزيدي في بغداد، وسار على دربه الكثير من "شلاتيغ" مجالس المحافظات، والدروشة التي تلبست محمود المشهداني حين أعلن أنه "لن يتنازل عن أسلمة الشعب العراقي، وأي فكر آخر هو فكر مستورد ولن نسمح به"، كل هذه المشاهد تثبت بالدليل القاطع اننا نعيش في ظل "نواب" لا يهمهم العراق .
أدرك جيداً أن التجاوز على سلطة القضاء مرفوض ومدان ونقف جميعاً ضده، لكن للأسف القضاء ومنذ سنوات أحب لعبة الاشتباك مع السياسة، ولهذا فالناس كانت وما زالت تريد من المحكمة الاتحادية أن تساهم في مساعدة البلاد على دخول المستقبل، وبناء دولة تقوم على أساس حق المواطنة لا حق الساسة، وعلى العدالة والمساواة لا على توزيع الغنائم بين الأصحاب والأحباب، ومع التسليم الكامل بأن وجود مجلس نواب ضرورة سياسية، فإن المنطق يقول إننا بحاجة إلى مجلس نواب حقيقي خال من نواب الصفقات، مجلس نواب مهمته خدمة الناس لا خدمة الكتل السياسية، مجلس نواب غير مصاب بفايروس الانتهازية.
والآن ليسمح لي القارئ العزيز لأقول له نحن في زمن كثر فيه "الحيص بيص"، مثلما تناسلت به قوانين الخراب التي تطارد رفاهية العراقيين ، وليس امامنا سوى ان نرفع ايدينا الى السماء للدعاء بان تتخلص هذه البلاد من "حيص بيص" المحكمة الاتحادية، ، ومن الاحزاب السياسية التي تجاوز عددها الاربعمائة جميعها طامحة بقطعة من كعكة العراق.
للأسف تحولت الديمقراطية في العراق من ممارسة حضارية تستند على القانون، ووسيلة لخدمة الناس إلى حروب ومعارك شيطانية لتكتب في النهاية شهادة وفاة للعراق الجديد وتخرجه من التاريخ المتحضر لتضعه في قاع الهمجية والعصبية القبلية، عروض ملت منها الناس، لأنها تحولت شيئاً فشيئاً من مباراة في السياسة إلى مقاطع كوميدية رخيصة في صالات عرض من الدرجة الثالثة.










