متابعة / المدى
بعد أن كان معروفًا بانتقاده الشديد للحلفاء بسبب إنفاقهم الدفاعي، بل وحتى تهديده بالانسحاب من حلف الناتو كليًا، يبدو الآن أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد غيّر رأيه تمامًا، حيث أعلن بعد قمة الناتو في لاهاي لعام 2025 هذا الأسبوع عن تأييده القاطع لحلف شمال الأطلسي، بقوله: «لقد غادرت هنا بطريقة مختلفة. غادرت هنا بقولي إن هؤلاء الناس يحبون بلدانهم حقًا». حيث شكّل ذلك تحولًا جذريًا في علاقته الطويلة والمتوترة مع الحلف.
ويأتي هذا التحول في الوقت الذي ضاعفت فيه دول حلف شمال الأطلسي هدفها للإنفاق الدفاعي الجماعي بأكثر من الضعف، حيث ازداد من نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى 5%.
تجديد الرئيس الأميركي دعمه للحلف يأتي بعد سنوات من الخلافات، والخلافات البارزة مع قادة العالم والتصريحات المثيرة للجدل. ومع ذلك، ففي قمة هذا العام، كانت النبرة مختلفة تمامًا. ورحبت العائلة المالكة الهولندية بترامب، وأشاد به الأمين العام لحلف الناتو، الذي أشار إليه بلقب «أبي»، وعاد إلى بلاده مشيدًا بحلفائه الأوروبيين على وطنيتهم. وصرّح ترامب للصحفيين بقوله: «هذا ليس تقليدًا، ونحن هنا لمساعدتهم».
إنه تحول دراماتيكي بقدر ما هو غير متوقع. وكان ترامب قد وصل إلى قمة الناتو بحماس كبير، وذلك عقب الضربات الأميركية التي استهدفت البُنى التحتية النووية الإيرانية. ووفقًا لمصادر استخباراتية أميركية وأخرى تابعة لحلفائها، فإن هذه الضربات أعاقت طموحات طهران النووية لعدة سنوات قادمة. وقد وُصفت الضربة على نطاق واسع بأنها استعراض للقوة وتحذير استراتيجي، ليس فقط لإيران بل لخصوم الناتو مثل روسيا والصين.
وقال جيدريماس جيجلينسكاس، المسؤول السابق في حلف الناتو والرئيس الحالي للجنة الأمن القومي الليتوانية: «لقد برز هذا الرجل بقوة في هذه العملية. في بعض الدول، وتحديدًا في أوروبا الشرقية وأوروبا الوسطى والشمالية، كان هذا الهجوم واستخدام تلك الأسلحة بمثابة إعادة بناء لقوة الردع لدى الغرب، وليس فقط لدى أميركا».
وعبر رحلة ترامب الزمنية الصعبة مع الناتو، فقد وصف الحلف خلال حملته الانتخابية عام 2016 بأنه «حلف عفا عليه الزمن»، مشككًا في أهميته، وانتقد حلفاءه بشدة لتقصيرهم في دفع «حصصهم العادلة من التمويل».
وقال في آذار 2016: «إن الحلف يكلفنا أموالًا طائلة، ندفع بشكل غير عادل ومتناسب، إنه كثير جدًا».
وانتقد حلف الناتو لقلة تركيزه على الإرهاب، ثم نسب إليه لاحقًا الفضل في إنشائه منصبًا رئيسيًا للاستخبارات.
ومع بداية توليه رئاسته الأولى في شباط 2017، خفف ترامب من حدة لهجته. وقال بعد زيارته للقيادة المركزية: «نحن ندعم الناتو بقوة. كل ما نطلبه هو أن يقدم جميع الأعضاء مساهماتهم المالية كاملة وعادلة». وواصل الضغط على الأعضاء لتحقيق هدف الـ2% بحلول عام 2024.
في قمة بروكسل عام 2018، هدد ترامب سرًّا بانسحاب الولايات المتحدة من الناتو ما لم يزد الحلفاء من إنفاقهم. وحذّر قائلًا: «نحن الآن في حرب عالمية ثالثة نحمي دولة لا تسدد فواتيرها». ورغم هذا التهديد، وصف ترامب الناتو بأنه «آلة دقيقة» بعد انتزاع التزامات إنفاق جديدة. كما اتهم ألمانيا بأنها «أسيرة لروسيا» بشأن خط أنابيب نورد ستريم 2.
وفي قمة لندن عام 2019، تواصلت الدراما، وكانت هذه المرة مع وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حلف الناتو بأنه «ميت دماغيًا». ورد ترامب قائلًا: «الناتو يخدم غرضًا عظيمًا. أعتقد أن هذا مهين للغاية». كما اصطدم مع رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، واصفًا إياه بأنه «ذو وجهين» بعد أن صُوّر ترودو وهو يسخر من ترامب أمام الكاميرات.
وفي عام 2020، أمر ترامب بسحب 12 ألف جندي أميركي من ألمانيا، مشيرًا إلى نقص الدفاع في برلين. وفي شباط 2024، كان هناك جدل حول روسيا، حيث أثار ترامب ردود فعل غاضبة بعد أن أشار إلى أنه سيسمح لروسيا «بفعل ما يحلو لها» تجاه دول الناتو التي لم تفِ بالتزاماتها المالية. وأثارت هذه التصريحات محادثات طارئة بين الزعماء الأوروبيين بشأن مستقبل التحالف إذا لم تتحرك الولايات المتحدة للدفاع عنه.
أما في حزيران 2025، فقد كان هناك ترامب مختلف وحلف ناتو مختلف. حيث انعقدت قمة لاهاي هذا العام بهدوء مفاجئ، وقد فرش مضيفو ترامب السجادة الحمراء، وقال جيجلينسكاس: «إنه رجل الساعة، وأهم رجل في العالم». وأشاد بدبلوماسية ترامب الصريحة، مهما بدت غير تقليدية، في المساعدة على دفع عجلة الإصلاح الحقيقي، وأضاف قائلًا: «لقد أحدث تغييرًا جذريًا في قدرات التحالف خلال تصرفه على سجيته، إنها هبة للتحالف».
ويتفق خبراء على أن الانتعاش الأخير لحلف الناتو ينبع من عاملين رئيسيين، وهما غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، وضغط ترامب المستمر على الحلفاء لتعزيز دفاعهم. وقال ماثيو كرونيج، نائب رئيس مركز سكوكروفت التابع للمجلس الأطلسي، في إشارة إلى الناتو والضربات الأميركية على مواقع البُنى التحتية النووية لإيران: «يشهد الرئيس ترامب هذا الأسبوع نجاحًا في السياسة الخارجية. آمل أن يواصل هذا النجاح». وأضاف: «لقد اشتكى كل رئيس منذ آيزنهاور من أن حلفاء الناتو لا يؤدون نصيبهم العادل. والآن ترامب هو من جعلهم يستمعون أخيرًا».
• عن فوكس نيوز










