متابعة / المدى

مع استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية والميدانية في قطاع غزة، عادت المفاوضات بين حركة حماس وإسرائيل إلى الواجهة، مدفوعة بوساطات متجددة وضغوط أميركية متزايدة. وتطرح التطورات الأخيرة تساؤلات جوهرية حول إمكانية التوصل إلى تهدئة حقيقية، أو الدخول في جولة جديدة من المناورات السياسية.
وكشفت مصادر فلسطينية مطلعة عن قائمة من الشروط التي وضعتها حركة حماس كمدخل لإبرام صفقة تبادل أسرى ووقف إطلاق النار، أبرزها ثلاثة محاور:
• الحماية السياسية: ضمان عدم استهداف المكتب السياسي أو القيادات في الخارج.
• الحماية المالية: رفض مصادرة الأموال أو فرض قيود على مصادر التمويل.
• الوجود في غزة: تأكيد إشراك ممثليها في إدارة القطاع وفي التشكيلات الأمنية المقبلة.
كما تطالب الحركة بضمان أميركي لوقف الحرب نهائياً، مع منح إسرائيل هامش تحرك عسكري في حال فشل التهدئة بعد مرور 70 يوماً دون اتفاق نهائي. ووفق محللين، تعكس هذه الشروط تمسك حماس بموقعها كفاعل سياسي وعسكري، رغم الخسائر التي تكبدتها.

ترامب يدخل على خط الوساطة
وفي خضم هذه المعادلة المعقدة، أفادت مجلة «نيوزويك» بأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرر التدخل مباشرة، معتبرًا أن «الوقت قد حان» للتوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار. وذكرت المجلة أن ترامب يسعى لإقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقبول اتفاق يُنهي القتال ويعيد الرهائن ويمهّد لمسار تفاوضي إسرائيلي-فلسطيني.
ويُنظر إلى تحرك ترامب في سياق سياسي داخلي أيضًا، كجزء من سعيه لتحقيق إنجاز دبلوماسي يُوظّف في حملته الانتخابية.
فيما تشير تقارير إلى تراجع القدرات الميدانية لحماس، أكدت وكالة «رويترز» أن الحركة فقدت آلاف المقاتلين وجزءاً كبيراً من بنيتها التحتية، لا سيما شبكة الأنفاق. ولفتت التقارير إلى بروز فصائل مسلحة جديدة مثل جماعة ياسر أبو شباب، ما يُضعف سيطرة الحركة على الأرض.
لكن الدكتور حسام الدجني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة في غزة، نفى أن تكون حماس قد طرحت رسميًا شروطًا تتعلق بحماية قياداتها وأموالها، مؤكداً أنها تسعى لتقديم رؤية معدّلة تضمن تهدئة مستدامة، دون المساس بالثوابت الفلسطينية وعلى رأسها الانسحاب الإسرائيلي وبدء الإعمار.
ورغم الضغوط الأميركية، لا يزال نتنياهو متردداً في إرسال وفد تفاوضي إلى القاهرة، وسط مخاوف من أن تؤدي أي تسوية إلى إعادة حماس إلى المشهد السياسي والأمني في غزة. وتصر إسرائيل على عدم تقديم أي التزامات تتعلق بمرحلة ما بعد الهدنة، وتواصل اعتماد سياسة الضغط، مدفوعة بتقديرات تشير إلى حالة إنهاك غير مسبوقة داخل الحركة.
وفي المقابل، تسعى واشنطن إلى تحفيز تل أبيب عبر وعود سياسية، تشمل رفع الحماية القضائية عن نتنياهو، والتأكيد على دعمه كـ«زعيم تاريخي»، مع إشارات تتعلق بالسيادة في الضفة الغربية.
أوضح الدجني أن الحركة لا تمانع التخلي عن إدارة قطاع غزة، وأبدت ذلك ضمن المبادرة المصرية-العربية-الإسلامية الأخيرة، لكنها ترفض الإقصاء من المشهد الفلسطيني، مشدداً على أن مكانتها يجب أن تُحسم عبر صناديق الاقتراع، وليس بالإقصاء السياسي أو الأمني.
وأضاف أن الاحتلال الإسرائيلي هو العائق الحقيقي أمام التفاهمات، من خلال رفض تنفيذ قرارات مجلس الأمن، واستمرار سياسات العقاب الجماعي، التي وصفها بـ«الإبادة والتهجير».
ورأى الدجني أن حصر السلاح بيد الدولة، كما هو الحال في لبنان مع حزب الله، ليس ممكنًا دون وجود دولة ذات سيادة، مضيفًا أن الفصائل المسلحة تمثل، في السياق الفلسطيني، جزءاً من مشروع التحرر الوطني.
ورغم الانتقادات المتزايدة لجدوى السلاح بعد أحداث 7 أكتوبر، يتمسك أنصار المقاومة بمبررات بقاءها، مشيرين إلى أن تجارب المقاومة السلمية، مثل مسيرات العودة عام 2018، لم تحقق أهدافها.
مع تصاعد الضربات الأميركية والإسرائيلية على إيران، واغتيال شخصيات مرتبطة بالتنسيق مع حماس، مثل سعيد إيزادي، تبدو الحركة في حالة من الانكشاف الاستراتيجي، ما قد يدفعها لتقديم تنازلات. غير أن الدجني يشدد على أن هذه التنازلات لن تمس جوهر المشروع الوطني.
وفي ظل هذا التعقيد، تبقى الكرة في ملعب إسرائيل، وسط تساؤلات: هل ترضخ حكومة نتنياهو للضغوط الأميركية؟ وهل تملك حماس قدرة تنفيذ ما تطرحه دون خسارة شرعيتها الشعبية والسياسية؟