أمير دوشيفي البدء لابد من إقرار حقيقة أن السينما هي فن لرأسمالية الأكمل، إذ من دون الكهرباء وآلة التصوير ليس ثمة وجود ملموس للفيلم. بعبارة أخرى،السينما هي الفن الجذاب والشائع الذي أبدعه المجتمع الصناعي الغربي وما يزال مفتونا به. نعم قبل ذلك كان هناك المسرح والرسم والنحت والرواية،لكن مع تطور وسائل الصناعة الحديثة واتساع مدياتها تطور الفيلم
واتسع نطاق إنتاجه،وباتت قراءة الفيلم السينمائي غير مكتملة من دون قراءة المؤسسة والفضاء الذي يقف العمل السينمائي على أرضه،كما ان المنطق الثقافي لعصرنا ،عصر ما بعد الحداثة اخذ يمزج الفنون الراقية مع الثقافات الشعبية،والسينما ابرز أشكال الفنون الشعبية التي تمكنت تقنياتها المتطورة من امتلاك واستلاب الحس الشعبي وتوجيهه، لذا فان قراءة النتاج الفني للسينما،تكمن في كشف الوعي الذي أسهم في إنتاج هذا الفيلم وكذلك في قراءة أفق الموجهات السياسية والاجتماعية والثقافية التي تقف خلفه،لان الفيلم كما يذكر الناقد السينمائي احمد ثامر جهاد "يبقى على الدوام وثيق الصلة بالعالم الذي ينتمي إليه".في عام 1968 ، كتب بل نيكولاس ، مقالا بعنوان (السينما والآيديولوجية والنقد ) نشرت لاحقا في كتاب (السينما والمنهج) جاء فيه: يمكن تصنيف علاقة السينما بالآيديولوجية المهيمنة إلى : أ‌. أفلام الهيمنة : وهي الأفلام التي تكون مشبعة بالآيديولوجية المهيمنة. ب‌. أفلام المقاومة الشكلانية :وهي الأفلام التي تكون ظاهريا سياسية،لكنها تمارس تخريبا شكليا. ت‌. أفلام ذات توجه سياسي:أفلام نقدية ذات منحى سياسي واضح، يكون نقد النسق الآيديولوجي فيها عبر بلاغة اللغة والصورة المهيمنة .ث‌. أفلام الصدع الثقافي: وهي الأفلام التي تنتمي ظاهريا إلى السينما المهيمنة،لكن نقدها الداخلي يفتح كوّة في الرؤية المطروحة. ج‌. أفلام الحياة (1) : وهي الأفلام التي تصور نقديا الأحداث الاجتماعية، لكنها تفشل في تحدي منهج التراث الآيديولوجي المتحكم.ح‌. أفلام الحياة (2) وهي أفلام السينما المباشرة والتي تصور نقديا الأحداث المعاصرة وتفحص العرض التقليدي. كتاب (حيوات وصور – كتابات في السينما) للناقد احمد ثامر جهاد الصادر عن دار مقهى في كاليفورنيا 2011 ،يحاول عبر قراءة دزينة من الأفلام السينمائية الأوروبية والأمريكية كشف الوعي المشكل للفيلم من خلال فحص السرد السينمائي وعناصر صياغته الجمالية والتقنية والتجارية. فهو بذلك يقرأ السينما التي يراها برجمان وفلليني تعبيرا جماليا عن الأحلام والخيالات الشخصية. ليمضي نحو كشف موجهات مؤسسة هوليود المعروفة بمحاباة اليهود وخضوعها بقوة لتأثيراتهم ،ومن ثم فحص السياقات التي تحكم مسار الفيلم الأمريكي بشكل عام وتحدد اتجاهاته النمطية.وبقدر ما يركز الكتاب على قراءة التصورات التقليدية للسينما الأمريكية التي تبالغ في تحريف الواقع كما يحلو لها لمجرد جني الأرباح،فانه يفرد في الوقت نفسه مساحة أخرى لتناول الأفلام التي تنحو إلى انتقاد القيم الأمريكية والأنظمة السياسية والاقتصادية التي تتحكم بظواهر المجتمع الأمريكي، وبالطبع يتسيد العنف الصريح والمضمر المشهد الأمريكي ذاك. فيما يقودنا البحث في إجابة حول سؤال الأمريكان الجوهري (لماذا يكرهوننا؟) إلى التوقف عند الأفلام السينمائية التي تناولت الحرب على العراق،ومدى اقترابها من حقيقة الأحداث ،فضلا عن مستوى نجاحها أو إخفاقها.استغرق انجاز مواد هذا الكتاب،بحسب مؤلفه،عشرة أعوام،ففي مشاهدة الأفلام والكتابة عنها متعة من نوع خاص لا توازيها إلا متعة عيش حياة أخرى،كما يذكر جهاد.في مقدمة كتابه.. ليتساءل لاحقا : إلى أي حد تستطيع الكتابة أن تفي الفيلم حقه؟ بكلام آخر هل بوسع الكلمات اختزال براعة الصورة وقوة رموزها؟سنرى هنا ان قراءة هذه الباقة من الأفلام من شانها أن تعيد لنا بهجة تلقي السينما ببعدها الفسيح،وتدفعنا إلى تأمل حياتنا على نحو آخر يبعدها عن العنف والكراهية التي تسم عصرنا الراهن.
حيوات وصور.. السينما فـي زمن الكراهية
نشر في: 2 مارس, 2011: 04:43 م