TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: معزوفة الأصول!!

العمود الثامن: معزوفة الأصول!!

نشر في: 1 يوليو, 2025: 12:07 ص

 علي حسين

شتائم جاهزة وتهديد ووعيد وجهل تام بقواعد القراءة والكتابة، تلك هي مؤهلات البعض من نوابنا الأشاوس بعد أن صرفت لهم كتلهم السياسية مجموعة من العبارات المحفوظة في علب قديمة من عينة "المؤامرة التي تحاك"، "الأجندات الخارجية"، "المرحلة الراهنة"، فتشعر أنهم جميعهم، يرددون هتافا واحدا، ويرتدون ثوبا واحدا وفي يد كل منهم كراس من الوصايا يخرجه في اللحظة التي يشم فيها رائحة اختلاف مع قناعات أولي الأمر.
آخر إبداعات أصحاب الوصايا وجيوشهم الالكترونية هو الطلب من الذين يختلفون معم ان يسألوا امهاتهم عن اصلهم، تخيل جنابك ان الاأم التي كرمها الاسلام ووضعها بأعلى المراتب، تتحول الى متهمة لان البعض ينزعج عندما تتحدث عن أمن واآمان العراق وضرورة النأي به عن صراعات المنطقة.
اصبحت عبارة " افحص DNA " تتردد في فضائياتنا يتباهى بها محللون وسياسيون جهلة.
عندما اكتشف عالم البيولوجيا الأميركي جيمس واتسون والفيزيائي الإنجليزي جيمس كريك الحمض النووي "دي إن إي"، قبل ما يقارب السبعين عاما، لم يكونا يتوقعان ان اكتشافهما سيتحول الى معزوفة تتردد في الفضائيات العراقية ومواقع التواصل الاجتماعي التي يغزوها الذباب الالكتروني المدفوع الثمن.
أصبحت الشتيمة سهلة وعادية جدا، ويمكن لأي محلل سياسي يظهر في الفضائيات ان يقول لك افحص الدي ان اي الخاص بك ، بل ان البعض من المدونين ما ان يجدك تدافع عن قناعاتك الشخصية حتى يطلب منك ان تقدم له فحص الحمض النووي ، وتجد الكثير منهم يفخر باهانة الآخرين ، ومازال العديد منهم يتصورون انهم يحملون تراخيص رسمية باقصاء كل من يختلف مع قناعاتهم المزيفة .
علمتنا تجارب الشعوب أن معارك الكراهية تنتصر مؤقتاً، فالفوز الدائم لأهل التسامح والمحبة والطمانينة.. كم عقداً دام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، وفي النهاية كان الفوز لمانديلا.. كم مرة خرج هتلر صارخاً بصوت عال، وكم بقي من رنين خطاباته!
هل نتعلـَّم من هذه التجارب كيف نترجل عن هذه الحلبة الدموية، وأن نضع حداً لجريمة الاساءة للاخرين باسم المظلومية والطائفة والدين؟ قد تبدو المهمة اليوم عسيرة ولكن قديماً قال أرسطو إن ترميم الأوطان ليس بالعمل الهيـِّن.
الذين يكتبون يطالبون من الاخرين فحص " الدي ان اي " عليهم أن يسألوا أنفسهم: ماذا قدموا هم لوطنهم، وعليهم ان يدركوا انهم ليسوا وحدهم فى هذا البلد، لا هم ولا مَن يشبهونهم، هذا، وطن من يؤمنون به، بتنوعه وتعدده، والمواطنة فيه ليست مِنَحاً توزَّع حسب فحص الحمض النووي، هذا وطن سيحتضِر لو الغي فيه حق الآخر، أو قـُهر فيه البعض لصالح القطيع الطائفي، خراب البلدان ليس في الحرب التي تقتل الأرواح، بل في الحروب التي تقتل النفوس والمشاعر، وتحجب النور، ليتحول كلَّ شيء إلى ظلام مُطبق!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ماجد مطشر

    منذ 5 شهور

    كم هو مؤلم رؤية بلدي يتقطع بسبب قطعان الطائفية

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram