متابعة / المدى
رغم الأجواء الإيجابية التي سادت قمة الناتو الأخيرة في لاهاي، والتي أبرزت وحدة الحلفاء وإقرار تعهّد جديد بزيادة الإنفاق الدفاعي، ترى الكاتبة، توري تاوسيغ، من المجلس الأطلسي للأبحاث والدراسات، بأن هذه القمة المتناغمة إنما تشير في الواقع إلى فشلها في معالجة أيّ من القضايا الشائكة التي تواجه الحلف. وخلال الأشهر المقبلة، سيُضطرّ حلفاء الناتو إلى التعامل مع عدة أسئلة صعبة ولكنها جوهرية: ما مدى التزام الولايات المتحدة بأمن أوروبا؟ وهل سيمارس الرئيس الأميركي دونالد ترامب المزيد من الضغوط على روسيا؟ وهل ستواصل الولايات المتحدة دعم أوكرانيا؟ وهل سيتمكّن الحلفاء من إيجاد نهج مشترك تجاه الصين؟
وعلى الرغم من اتفاق الحلفاء على زيادة نسبة الإنفاق على الدفاع من 2% إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، والذي شكّل ذلك نجاحًا لهم، فإنه خلافًا للقمم التي عُقدت في السنوات الثلاث الماضية، عندما كان دعم أوكرانيا ضد الغزو الروسي المستمر محورَ الاهتمام، فقد قرر الحلفاء قبل القمة عدم الإعلان عن أي إجراءات دعم جديدة لأوكرانيا. كما أنهم لم يدعوا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لحضور أي جلسات قمة رسمية. وبإصرار من واشنطن، ألغى حلف الناتو خططه السابقة لإصدار استراتيجية أكثر صرامة تجاه روسيا، والتي كان من المفترض أن تحل محل الاستراتيجية المعتمدة في التسعينيات، عندما كان يُنظر إلى روسيا كشريك محتمل.
ولحسن الحظ، اقتصر إعلان القمة على خمس فقرات فقط، وهو لا يسلّط الضوء على تحديات حقيقية تهدد تماسك التحالف وفعاليته، تتلخّص في أربع قضايا مركزية جوهرية لم تجب عنها القمة. وإن اختيار عدم معالجة أصعب التحديات التي تواجه الحلف سيكون له ثمن باهظ. فبدلًا من الاتفاق على مجموعة متينة من المخرجات التي ستعزّز قوة الناتو وعزيمته، سيُترك الحلفاء لأجهزتهم الوطنية الخاصة، في وقتٍ يتطلب فيه التحالف كامل ثقله لمواجهة التهديدات والتحديات التي تواجه أمنهم. يُترك قادة الناتو الآن لمواجهة أربع شكوك رئيسية عند عودتهم إلى عواصمهم. تمثل هذه الشكوك مجتمعة مهمة جسيمة للحلف في الأشهر والسنوات القادمة.
أولًا: ما مدى التزام الولايات المتحدة بأمن أوروبا؟
رغم تصريحات التطمين من ترامب، فإن سلوكه وتاريخ تصريحاته تُظهر شكوكًا حقيقية حول التزامه بالناتو، لاسيما تعهده بموجب المادة الخامسة (الدفاع الجماعي). كما أن تجميد المساعدات العسكرية لأوكرانيا، والتصريحات المعادية للحلفاء الأوروبيين من كبار مسؤولي إدارته، تُعزّز شعور الأوروبيين بعدم الثقة بواشنطن. إنه مؤشر خطير، فمراجعة متوقعة لمواقع الانتشار العسكري الأميركي قد تؤدي إلى سحب قوات من أوروبا لصالح أولويات مثل المحيطَين الهادئ والهندي، مما يزيد العبء على الحلفاء الأوروبيين.
ثانيًا: هل سيمارس ترامب ضغطًا أكبر على روسيا؟
فرغم خلافه مع بوتين، لم يتضح بعد ما إذا كانت إدارة ترامب تنوي فرض عقوبات إضافية على موسكو، خاصة في ظل استمرار القصف الروسي لأوكرانيا. وإذا قررت واشنطن تخفيف موقفها، فقد يُقوّض ذلك وحدة الغرب ويجعل الجهود الأوروبية بلا جدوى.
ثالثًا: هل ستواصل الولايات المتحدة دعم أوكرانيا؟
لا يزال من غير الواضح ما إذا كان ترامب سينفض يده من الصراع في أوكرانيا، الذي دخل عامه الرابع الآن، ويتخلى عن أي جولات مستقبلية في المساعدات الأمنية الضرورية لكييف. إن تحوّل الولايات المتحدة عن دعم أوكرانيا بدا بالفعل، فبالإضافة إلى توقف الإدارة الأميركية السابقة عن تقديم المساعدة وتبادل المعلومات الاستخبارية مع أوكرانيا، تخلّت الولايات المتحدة عن قيادتها لمجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية، وهو المنتدى نفسه الذي أطلقته وقادته الولايات المتحدة لأكثر من ثلاث سنوات لتنسيق المساعدات الأمنية من أكثر من خمسين دولة لأوكرانيا. إن عدم معرفة ما إذا كانت الولايات المتحدة ستبقى إلى جانب أوكرانيا يشكّل ضغطًا محتملاً آخر على الموارد الأوروبية، التي قد تعاني بالفعل من ضغوط بسبب تراجع القوات الأميركية في أوروبا.
رابعًا وأخيرًا: هل يستطيع الحلفاء التوصّل إلى نهج مشترك تجاه الصين؟
ترسل إدارة ترامب إشارات متضاربة إلى حلفائها وشركائها الأوروبيين بشأن اهتمامها باتباع نهج مشترك تجاه الصين. وقد دفع هذا الغموض الحلفاء إلى التخلي عن فرصة مهمة في لاهاي لمعالجة التحديات المعقّدة والمتنامية التي تشكّلها الصين على الأمن الأوروبي الأطلسي. علاوة على ذلك، قرر قادة ثلاثة من شركاء الناتو في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ — اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا — التخلي عن حضور القمة. يشير هذا إلى انتكاسة في الزخم الذي حققته إدارة ترامب الأولى وإدارة بايدن في تعزيز التنسيق بين الأوروبيين والحلفاء الديمقراطيين الآخرين لمعالجة الحزم العسكري الصيني في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، والإكراه الاقتصادي، والنفوذ التكنولوجي في أوروبا. ولا يمكن أن يأتي هذا التردّد في وقت أسوأ، حيث تواصل بكين دعمها لروسيا في أوكرانيا ومحاولاتها ممارسة النفوذ على الدول الديمقراطية في أوروبا ومنطقة المحيطَين الهندي والهادئ.
لم يجب قادة الحلفاء على أيٍّ من هذه الأسئلة الملحّة بشكل كافٍ في قمة الناتو لهذا العام. ومع ذلك، فإن كيفية تطوّر هذه التحديات في الأشهر والسنوات القادمة ستشكّل جوهريًا قدرة الناتو على مواجهة التهديدات القائمة والناشئة لأراضي التحالف. ربما حصل قادة الحلفاء على تعهّد جديد بالإنفاق، وحظُوا بفرصة رائعة لالتقاط الصور في لاهاي، لكن الكثير من العمل والواقع القاسي ينتظرهم لدى عودتهم إلى أوطانهم.
عن المجلس الأطلسي للدراسات