TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > الأنبار تفقد "حياتها الزرقاء".. انحسار الفرات يجفف المسطحات ويهدد الحياة

الأنبار تفقد "حياتها الزرقاء".. انحسار الفرات يجفف المسطحات ويهدد الحياة

نشر في: 2 يوليو, 2025: 12:03 ص

المدى/ خاص
لم يعد نهر الفرات في الأنبار كما كان، فعلى امتداده من القائم غربًا حتى الفلوجة شرقًا، تظهر أراضٍ متشققة وأحواضٌ جافة، كانت قبل سنوات قليلة فقط تغمرها المياه، واليوم تسجل المحافظة أدنى مستويات تدفق مياه نهر الفرات في تاريخها الحديث، وسط تحذيرات من فقدان الأمن الغذائي والمائي، وانهيار النظام البيئي.
بحيرات تحولت إلى صحراء
لم تعد بحيرة الحبانية تستقبل الزائرين، ولم تعد تشكل ملاذًا سياحيًا كما كانت في العقود السابقة. الأمر ذاته ينطبق على بحيرتَي الرزازة والثرثار، اللتين شهدتا تقلصًا هائلًا في مساحتيهما، حتى باتتا تبدوان في صور الأقمار الصناعية مجرد بقعٍ مائية ضئيلة وسط صحراء ممتدة.
يقول الناشط البيئي فلاح الدليمي، في حديث لـ(المدى): «منسوب المياه في نهر الفرات داخل المحافظة انخفض بنسبة تتجاوز 60‌% مقارنةً بمعدلاته الطبيعية، بعض القنوات الفرعية والمسطحات الصغيرة اختفت بالكامل».
تركيا وسوريا.. أزمة المنبع
تتّهم السلطات العراقية كلًا من تركيا وسوريا بتقليص كميات المياه الواردة إلى العراق، ففي السنوات الأخيرة، بدأت أنقرة بتنفيذ مشاريع ضخمة مثل سد أليسو وسدودٍ أخرى على نهر الفرات، ما قلل الإطلاقات المائية التي تصل إلى الحدود العراقية.
يشرح أستاذ المناخ والموارد المائية، علي أحمد، خلفية الأزمة قائلًا: «مشكلة المياه في العراق ليست منبعها الجفاف فقط، بل أيضًا غياب اتفاقيات ملزِمة لتقاسم الحصص مع دول الجوار، تركيا تطبّق سياسةً مائية قاسية عبر مشاريعها، وتتعامل مع المياه كسلاح ضغطٍ سياسي».
التغير المناخي يعمق الكارثة
لا يقتصر الأمر على السدود فقط، فالتغير المناخي ساهم أيضًا في تسريع وتيرة الانحسار المائي. يقول الخبير البيئي حيدر الأسدي: «العراق أصبح فعليًا ضمن أكثر خمس دول هشاشةً مناخية».
ويضيف: «درجات الحرارة المرتفعة زادت من التبخر بنسبة 35‌%، بالتزامن مع تراجع معدلات الأمطار بنسبةٍ غير مسبوقة في السنوات الخمس الأخيرة».
ويشير إلى أن «نهر الفرات أصبح موسميًا في أجزاء من مجراه، وهذا لم يكن يحدث إلا في سنوات الجفاف القصوى سابقًا».
تداعيات كارثية على الزراعة
في الأنبار، يعتمد معظم السكان في الأقضية الزراعية مثل هيت وحديثة والرمادي على مياه الفرات لري المزروعات، واليوم باتت آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية خارج الخدمة.
ويقول المزارع حجي عبود الهيتاوي من قضاء هيت:
«الفرات كان كل حياتنا، نزرع الحنطة والشعير والرز من خيره، الجفاف أكل الأخضر واليابس، نحفر الآبار ونسحب الماء من مسافاتٍ بعيدة، لكن التكاليف ترهقنا».
خطط حكومية "بطيئة"
أعلنت وزارة الموارد المائية عدة مشاريع لمعالجة الشح، من بينها حفر آبار جوفية، وتنظيف قنوات الري، وإنشاء سدودٍ صغيرة داخل المحافظة. لكن خبراء يرون أن هذه المعالجات «لا ترقى إلى حجم الكارثة».
وبالعودة إلى الناشط البيئي الدليمي: «ما لم تُعقَد اتفاقياتٌ ملزمة مع تركيا وتُعالَج مظاهر الهدر الداخلي في شبكة الري، فإننا نتجه نحو التصحر الكامل».
ووفقًا لوزارة الموارد المائية العراقية، فقد العراق أكثر من 50‌% من إيراداته المائية خلال العقد الأخير.
كما أنهت تركيا بناء سد أليسو عام 2018، مما قلل من تدفق المياه عبر الفرات إلى العراق.
بيانات الأقمار الصناعية (2023 – 2025) أظهرت تقلص بحيرة الثرثار بنسبة 47‌%، والحبانية بنسبة 63‌%.
وصنف تقرير البنك الدولي (2023) العراق بين أكثر الدول تأثرًا بالتغير المناخي، متوقعًا نزوح مليوني شخص بسبب الشح المائي حتى عام 2030.
أزمة المياه في الأنبار تتجاوز كونها تحديًا بيئيًا، لتصبح تهديدًا وجوديًا على مستوى الأمن الغذائي والبشري. ومع استمرار انحسار الفرات، تغيب الحلول السريعة، بينما تزداد الحاجة إلى تحرك دبلوماسي عاجل واستراتيجيةٍ مستدامة تضمن بقاء ما تبقى من «الحياة الزرقاء» في المحافظة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram