محمد علي الحيدري
يمثل "قانون الفاتورة الكبيرة الجميلة" (Big Beautiful Bill Act) محطة جديدة في المواجهة السياسية المتصاعدة بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، ويكشف عن تباين جوهري في رؤيتهما لطبيعة الدولة الأميركية، وحدود تدخلها، وأولوياتها في العقد المقبل. فبينما يرى الجمهوريون في القانون فرصة لإعادة ضبط مسار الاقتصاد الأميركي عبر تخفيضات ضريبية كبيرة وإنفاق أمني متزايد، يحذّر الديمقراطيون من أن نصوصه تهدد بنسف ركائز الحماية الاجتماعية، ولا سيما من خلال تقليص مخصصات برنامج "ميديكيد" الصحي.
يتضمن مشروع القانون حزمة شاملة من السياسات التي تعكس أولويات الجمهوريين في عهد ترامب الثاني: تخفيض الضرائب على الأفراد والشركات، تقليص الإنفاق العام، وتوجيه الموارد إلى الأمن القومي ومراقبة الحدود. ويأمل الجمهوريون أن تمثل هذه الخطوة انطلاقة جديدة للاقتصاد الوطني تقوم على تحفيز الاستثمار والحد من الاعتماد على الدولة. لكن الديمقراطيين يرون في هذه الرؤية اختزالًا ضارًا لوظيفة الدولة، وتحميلًا غير عادل لتبعات السياسات الاقتصادية على الفئات الأضعف.
أبرز مظاهر الخلاف تكمن في مسألة "ميديكيد"، إذ تشير تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس (CBO) إلى أن تمرير القانون بصيغته الحالية سيؤدي إلى فقدان نحو 11.8 مليون أميركي لتأمينهم الصحي بحلول عام 2034، فضلًا عن إضافة قرابة 3.3 تريليون دولار إلى الدين العام خلال الفترة من 2025 إلى 2034، أي بزيادة تقارب تريليون دولار مقارنة بالنسخة التي مررها مجلس النواب. هذه الأرقام تعزز موقف الديمقراطيين الذين يعتبرون أن القانون يفتقر إلى التوازن المالي والاجتماعي.
على الصعيد التشريعي، يواجه القانون تحديات مؤسسية معقدة. فبعد إقراره في مجلس النواب ذي الأغلبية الجمهورية، أدخل مجلس الشيوخ تعديلات جوهرية عليه، لا سيما فيما يتعلق بالرعاية الصحية. وقد حذّر رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، من الابتعاد عن الصيغة الأصلية، ما ينبئ بصراع جديد داخل الكونغرس قد يعرقل تمرير المشروع ضمن المهلة الزمنية التي حددها ترامب لتتزامن مع احتفالات الرابع من يوليو.
يتجاوز هذا الخلاف البعد التشريعي إلى ما هو أعمق، إذ يعكس رؤيتين متناقضتين لدور الدولة: الأولى جمهورية تنزع إلى تقليص تدخل الحكومة وتعزيز الحريات الاقتصادية، والثانية ديمقراطية تؤمن بضرورة استمرار الدولة في لعب دور مركزي في ضمان العدالة الاجتماعية وتوفير الخدمات الأساسية. وفي ظل التحضيرات المبكرة للانتخابات المقبلة، من المرجح أن يتحول النقاش حول هذا القانون إلى محور أساسي في الحملات الانتخابية القادمة، ما يجعل من تمريره أو تعطيله نقطة فاصلة في إعادة رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية للولايات المتحدة في السنوات المقبلة.