متابعة / المدى
تشهد الولايات المتحدة أزمة توظيف غير مسبوقة بين الخريجين الجدد من الجامعات، في ظل ارتفاع معدلات البطالة بينهم إلى 5,8%، وهي النسبة الأعلى منذ أكثر من عقد، باستثناء فترة جائحة كوفيد. هذا المعدل يتجاوز المعدل العام للبطالة الذي استقر بين 3,5% و4% بعد الجائحة، ما يُعد وضعًا غير اعتيادي بحسب المحللين.
وتشير البيانات إلى أن سوق العمل للخريجين الجدد تواصل التراجع منذ عام 2022، حيث انخفض التوظيف الجديد بنسبة 16% خلال عام 2025، وفقًا لشركة «غوستو» المتخصصة في إدارة الرواتب. ويُعزى هذا التراجعُ إلى تباطؤٍ دوري في التوظيف بعد الجائحة، وتأثيرات الاقتصاد العالمي غير المستقر، إلى جانب السياسات المتغيرة التي رافقت بداية ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولا سيما في مجالات التجارة والضرائب.
خريجون بدون وظائف
قالت ريبيكا أتكينز، الحاصلة على شهادة في القانون منذ عام 2022، إنها قدمت أكثر من 250 طلب توظيف خلال عامين من دون أن تحصل على فرصة عمل واحدة. وأضافت: «كان الأمر محبطًا للغاية… شعرت بأنني شخص رديء، وأن عملي غير جيد». وأكدت أن أغلب الوظائف المخصصة للمبتدئين كانت تتطلب خبرة لا تقل عن أربع أو خمس سنوات. أما كاتي بريمر، المتخرجة في عام 2021 بشهادة مزدوجة في علوم البيئة والصحة العامة، فقد احتاجت لأكثر من عام لإيجاد وظيفة بدوام كامل، لكنها اضطرت للعمل في مجال رعاية الأطفال لتغطية نفقاتها، رغم عملها المستمرّ. وعلقت بالقول: «من المستحيل بالنظر إلى التكاليف المعيشية أن نغطي كل احتياجاتنا كأشخاص بالغين شباب».
ويُعَدُّ التعليم الجامعي في الولايات المتحدة من الأعلى تكلفة في العالم، إذ يبلغ متوسط تكاليفه السنوية 27,673 دولارًا، بينما حصل 36,3% من الطلاب على قروض طلابية فيدرالية حتى عام 2020. وتُقدّر قيمة القرض المتوسط للمتخرجين بنحو 29,550 دولارًا، بحسب مبادرة بيانات التعليم.
الذكاء الاصطناعي يفاقم الأزمة
أفاد الخبيرُ الاقتصاديُّ ماثيو مارتن من «أوكسفورد إيكونوميكس» أن فرص العمل في قطاع خدمات الشركات تراجعت بأكثر من 40% منذ عام 2021، مع تأثرٍ كبيرٍ في وظائف قطاع التكنولوجيا. وقال إن جزءًا من هذا التراجع يعود إلى تقليص التوظيف بعد الزيادة المفرطة في التعيينات خلال عام 2022، إلا أن الذكاء الاصطناعي قد يكون عاملًا إضافيًا في إلغاء بعض الوظائف الخاصة بالمبتدئين.
من جهته، قال غريغوري داكو من مكتب «إيه واي بارتينون» إن التباطؤ في قطاع التكنولوجيا يأتي نتيجة تركيز الشركات على الحفاظ على موظفيها الحاليين، مما ينعكس بشكل غير متكافئ على الخريجين الجدد. كما أشار إلى أن حالة «الضبابية القصوى» في السياسات الحكومية الجديدة دفعت العديد من الشركات إلى تجميد التوظيف.
ومع ذلك، حذر داكو من الاستنتاج بأن الذكاء الاصطناعي بدأ فعليًا في القضاء على وظائف المبتدئين، مشيرًا إلى أن معظم القطاعات لا تزال في مراحل مبكرة من تبني هذه التقنيات، ما يجعل تأثيرها الكلي على الاقتصاد محدودًا حتى الآن.
يرى الخبراء أن الأزمة مرشحة للتفاقم على المدى القصير، ما قد يدفع الطلاب إلى إعادة النظر في تخصصاتهم الأكاديمية. وقال ماثيو مارتن إن «الوضع قد يسوء أكثر قبل أن يتحسن». فيما تساءلت بريمر: «كيف سيتمكن جيلي من تحسين وضعه؟».










