TOP

جريدة المدى > عام > " صيني على دراجة هوائية".. السردية البوليسية التي تتحوّل إلى فضاء سيريالي

" صيني على دراجة هوائية".. السردية البوليسية التي تتحوّل إلى فضاء سيريالي

نشر في: 7 يوليو, 2025: 12:02 ص

علاء المفرجي
" صيني على دراجة هوائية" رواية للكاتب الأرجنتيني أرييل ماغنوس، صدرت عن المدى بترجمة د. أنيس الخابور، الحائز على جائزة "لا أوترا أوريلا" الأدبية عام ٢٠٠٧. تدور أحداث الرواية في الحي الصيني بمدينة بوينس آيرس. تتناول الرواية المشاكل الطبيعية للمهاجرين على خلفية عملية اختطاف قام بها صيني مشعل حرائق على غرار ما حدث في بوينس آيرس، والتي تسبب فيها كين تشونغ لي، الذي جاب المدينة أيضًا بالدراجة.
شعرت ببرودة المسدس على رقبتي من الخلف تقريباً قبل أن أتمكن من سماع باب المرحاض يُفتح فجأة، ومن فوق صدري مرّ الذراع النحيف الأمرد للشخص الذي لم أستطع رؤيته وجعلني أدور في حلقة مفرغة، رفعت سروالي على عجل وتقدمت مدفوعاً من الخلف. انتابني شعور بالندم لعدم سحبه من سلسلة قيده، لكن ربما ذلك لم يكن ليجدي نفعاً.
هكذا تبدأ قصة راميرو فاليسترا المذهلة، شاب من بوينس آيرس اختطفه صيني يُدعى لي بعد إدلائه بشهادته في المحاكمة التي أدانته بإشعال النار في إحدى عشرة منشأة في المدينة. منذ تلك اللحظة، يكتمل انغماس بطل الرواية في الثقافة الصينية المجهولة في شوارع بوينس آيرس.
يرسم الكاتب صورة مميزة للغاية، بل وسريالية نوعًا ما، لعالم داخل عالم، لثقافة داخل ثقافة. في هذا المنفى الداخلي القسري في الحي الصيني، تبدأ حياة راميرو الجديدة. ستكون العلاقات المُفعمة بالحيوية مع جميع الشخصيات التي تعيش في مطعم "تودوس كونتينتوس" الصيني مفتاحًا لإضفاء معنى حقيقي على حياة البطل. وسط تنبؤات كارثية، وصراعات ثقافية، وحبكات بحث عن الحقيقة، وألعاب نارية، وحب عاطفي، وصينيين لا يجيدون ركوب الدراجات، تُنسج قصةٌ مُضحكةٌ للغاية عن الهجرة الصينية إلى الأرجنتين.
. الرواية تم ترجمتها إلى سبع لغات وأعيد إصدارها من قِبل دار نشر Interzona ضمن مشروع استعادة كنوز أدبية
انطلقت الرواية من حادثة حقيقية في الأرجنتين عام 2004، حيث اتُهم رجل من أصل صيني، يدعى "لي" أو "Fosforito"، بإحراق عدة محلات أثاث في حي كابايِّيتو. حول ماغنوس هذه القضية الصحافية إلى رواية بعد أن فشل بالأساس في تأليف نص صحافي بسبب قلة الاهتمام من الناشرين
تبدأ الرواية بنوع من التشويق البوليسي، حين يُستدعى شاهد يُدعى راميرو فاليسْترا للإدلاء بشهادته ضد لي. لكن المفاجأة تحدث عندما يختطفه لي ويأخذه إلى الحارة الصينية في بِلغرانو، ليكون شاهداً ومستقصياً لمن كان وراء جرائم الحريق.
مع تطور الأحداث، يتحوّل التركيز من البحث عن الجاني إلى وصف ممتع وغريب للحياة اليومية داخل الحي الصيني، من عادات وتقاليد وسلوكيات تساعد القارئ على الغوص في عالم "الآخر" داخل وطنه ذاته.
تناقش الرواية كيف يعيش المغترب الصيني ضمن مجتمع أرجنتيني، وكيف يرى الطرفان الآخر، مسلطة الضوء على الصور النمطية البسيطة مثل: "أنتم الغربيون جميعاً متماثلون" أو "الصيني كبش فداء".
استخدام السخرية لتناول موضوعات جدّيّة، السهل الممتنع في الرواية يكمن في المزج بين الكوميديا والمواضيع الخطيرة: الحبس والاختطاف، وضع الأشخاص ذوي خلفيات ثقافية مختلفة تحت المجهر بإطار فكاهي يسخر من المسلمات.
المؤلف يعتمد إطارًا سرديًا "حادثيًا ـ ساخرًا"، حيث تبدأ السردية بوليسية ثم تتحوّل إلى فضاء سيريالي مليء بالكاريكاتور والعبث. فصول قصيرة تساعد على الحفاظ على سرعة الإيقاع رغم تركز الرواية على تفاصيل ثقافية دقيقة. النقد جاء إيجابيًا، فأسلوبه "حاد وسريع، يولّد ضحكات ويقدّم نقدًا لاذعًا للمجتمع الأرجنتيني"
" صيني على دراجة هوائية" ليست مجرد رواية بوليسية، بل جسر بين ثقافتين: الأرجنتينية والصينية في أرض واحدة. وظف المؤلف فيها السخرية الذكية لاستكشاف العلاقة مع الغريب داخل الوطن، وتشد القارئ بحبكة عبثية مفاجئة تتحوّل من تحقيق إلى قصة حب، وترسخ تساؤلات حول الهوية والانتماء. تعتبر عملاً متميزًا في الأدب الأرجنتيني المعاصر، وتبعث رسالة مفادها: بأن "ما يربطنا أحيانًا أكثر مما يفرقنا" ضمن فضاءات تبدو غريبة عند نظرة أولى، لكنها تصبح موطناً للعاطفة والتقارب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

بروتريه: فيصل السامر.. قامة شامخة علماً ووطنيةً

موسيقى الاحد: 250 عاماً على ولادة كروسيل

الحكّاء والسَّارد بين "مرآة العالم" و"حديث عيسى بن هشام"

في مجموعة (بُدْراب) القصصية.. سرد يعيد الاعتبار للإنسان ودهشة التفاصيل الصغيرة

شخصيات اغنت عصرنا.. الملاكم محمد علي كلاي

مقالات ذات صلة

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة
عام

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

أدارت الحوار: ألكس كلارك* ترجمة: لطفية الدليمي يروى كتابُ مذكرات لي ييبي Lea Ypi ، الحائز على جائزة، والمعنون "حُرّة Free" تجربة نشأتها في ألبانيا قبل وبعد الحكم الشيوعي. أما كتابُها الجديد "الإهانة indignity"...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram