علاء المفرجي
للشعر مكانة بارزة في عصرنا الرقمي. قوته الآن تكمن في المرونة والانفتاح على الوسائل المتنوعة، بينما تبقى وظيفة الشعر - التوغل في المشاعر، توثيق اللحظة، تحريك الجماهير - ثابتة بوجود وجدان الإنسان. حضور الشعر في الحياة وتأثيره رغم التحديات التي يواجهها في العصر الحالي، من كونه أزيح من عرشه لصالح السرد الروائي. وهو موضوع مطروح في مقالات ونقاشات حول سؤال الشعر في الواقع العربي. السؤالالذي توجهنا به لبعض شعراؤنا ونقادنا، هل تعتقد أن الشعر ما زال يحتفظ بتأثيره الطاغي في العصر الحديث؟"
الناقد علي حسن الفواز
من الصعبِ عزلِ الشعرِ عن الحياة، وتحويل اللغةِ الى جهازٍ للتصويتِ فقط، فالشعرُ يظلُ لعبةً ساحرةً في الاغواء، وفي أيّ حساسيةٍ لمراجعةِ اللغة، وحتى في إعادة تأهيل تلك اللغة لكي تمارس صلاحيات أخرى، يدخل فيها الحب والكراهية والعنف الرمزي، مثلما يدخل فيها الاخفاء والتورية، فالهروب عبر اللغة هو اختبار شعري، والاختباء في استعارتها يظل جزءا من حيوية الشعراء الشطّار..
وضع الشعر إزاء العصر الحديث لا يعني دفع الشاعر لأن يكون مطرودا، وأن يتوهم عدم صلاحية القصيدة للثورة، والتجاوز، ولمناكفة العالم الغامر بالتحولات الكبرى، بقدر ما يكون الأمر تمثيلا لتغييرٍ في "عدادات" الكتابة، وفي توظيف منظور اخر لها، عبر تجديد وظائفية الوسائط والأدوات، وعبر إعادة النظر بالأفكار، فالشاعر ليس امبراطورا عاريا، والشعر ليس معطفا كاذبا، بقدر ما يكون دخوله الى "الزمن السياسي والزمن النفسي والزمن اللغوي مرهونا بالبحث عن طرقٍ أو اغطية، وتأمين علاقة متعالية للوعي مع جدّة الكتابة، وبقدرتها في أن تكون على تماس حيوي مع الحياة والجسد واللغة، وبالاتجاه الذي يجعل من "الشعر" جزءا من فاعلية التحول الاجتماعي، ومن خطابه ووسائل تعبيره..
الناقد جاسم محمد جسام: نحو رؤية جديدة للشعر والعالم
من المؤكد أن الشعر هو المدخل الى معالجة مختلف اشكاليات العالم روحيا على أن يفهم بمعناه الاوسع والاغنى والاكثر فعالية، اي بوصفه يجسد حيوية التفكير بقدر ما يمثله منبع المعنى وبقدر ما يجسده سيرورة التحول والازدهار في أرجاء العالم باعتبار الشعر رافدا مهما من روافد الثقافة التي تحتاج لأن تكون ثقافة عقلانية غايتها تجاوز ما هو سطحي بالانطلاق نحو ثقافة مواجهه. ومن جهة أخرى، يتميز الشعر كخطاب ثقافي في ظل ما تشهده المجتمعات المعاصرة من تحديات وتحولات في هذا الزمن المتغير بأنه خطاب كوني يواجه تلك الانهيارات السياسية والايديولوجية التي أصابت العديد من الأفكار والنظم، وكذلك ظهور طفرات معرفية شهدتها الفلسفة وعلوم الإنسان، والتي أسفرت عن انبثاق قراءات جديدة للحداثة وشعاراتها حول العقل والحرية والتقدم، وازاء كل ذلك كان على الشعر أن يعيد صياغة وترتيب افكاره، وينفض عنه غبار السنين بما يمكنه من فهم وتشخيص هذه التحولات العميقة اولا، ثم الانخراط في تغير الواقع ثانيا في اتجاه التكيف الإيجابي مع معطيات وتحولات الزمن المتجددة، ولعل منبع هذا التجدد في الشعر على مستوى الأفكار وحتى الاشكال راجع إلى تصادم حقيقتين أولاهما: الالتزام الجماعي بمقتضيات الكونية الناتجة عن تشابه المسار المقترن بمصائر كل البشر، وثانيهما الإقرار النظري والمعياري بحق الثقافات في الاختلاف والتمايز من حيث القيمة والمشروعية. ويبدو أن الدور الأهم الذي يلعبه الشعر في كل أنحاء العالم يندرج تحديدا في المساهمة الجادة في صوغ روى جديدة والعمل على تطبيقها في الواقع، وهذا بالتأكيد سوف يتطلب حسا عميقا ووعيا وجرأة على التخلص من النماذج القديمة وقدرة على التواصل مع الحداثات الجديدة كبديل لانتاج نص شعري قادر على تجاوز المحلية وصولا إلى العالم بكل تعقيداته وخصوصا ونحن اليوم بحاجة كبيرة إلى طرح أفكار تضع الإنسان في مقدمة أولويات النص الأدبي كقيمة عليا بكل تفاصيل مشروعه الإنساني. ولعل السؤال الاهم الذي يطرح بعد كل هذه الفترة الزمنية التي مر بها الشعر العربي هو الى اين يمضي الشعر كمسار انساني يمثل الصوت الحقيقي والمدافع عن الانسان اينما يكون؟
الشاعر كاظم غيلان
لايمكن لأي نمط إبداعي ان يتوارى طالما كان على صلة بوجدان الناس. الشعر بقديمه وحديثه لم يزل يسجل حضوره الفاعل ولا اقول الطاغي لاسيما على المستوى العربي، عراقيا كذلك فلا تجد يوما او قل شهرا خاليا من فعالية شعرية، لكن ذلك لايعني انه معافى بحكم هيمنة ما ينشر على التواصل الاجتماعي وحتى معظم الفعاليات الرسمية والمهنية وفي مقدمتها (المربد) الذي أصبح حاضنة لكتبة وكاتبات الخواطر.
الشعر ينحدر على مستوى الفعاليات، كذلك معظم الإصدارات اذا ما استثنينا النوعي منها والذي تبنته دار الشؤون الثقافية العامة إذ أحيت العديد من الأعمال الشعرية الكبيرة وكان آخرها أعمال الشاعر محمود البريكان.
الشعر حاضرا وشاغلا برغم كل التشوهات التي الحقت به، ثمة من يرى ولربما يروج لفكرة تقدم الرواية، وهذا لربما يعود لما تفعله دور النشر من ضخ دعائي، فالشعر هو صاحب الحظوة في التداول، حتى ذلك السيء منه.
الشاعر حسن عبدالحميد
وإن كان السؤال مفتوحاً على عدّة توّقعات وتوريدات تخفّى بعضها تحت دثار الشك والريبة والتوّجس حول راهن ومستقبل الشعر العربي، هنا -تحديداً-،فضلاً عن أثر سطوة السرد الروائي على حسابه وتجلّيات وجود، ولأن الأسئلة هي بمثابة مفاتيح كما يذهب "ريلكَة"، لذا سأحاول الإيجاز وفق متطلبات بخصوص عدد كلمات الاستطلاع لكل مشارك، مُستهلاً، مُستنداً، مُحتمياً بفحوى ما أفتى به" أبن رُشد" على أن الشعر أكثر حظّاً من الفلسفة، وأسمى مكانةً من التأريخ، بل هو كلام الاله على لسان البشر كما يرى "أرسطو"، وإنه "فنّ تنظيم أحزان العالم" بحسب " أوكتافيو باث".
نعم. ثمة تغيرات مُقلقة عصفتْ-عذراً-بصيت وسمعة الشعر، جرّاء من جاء وحبا لاستسهاله وتفريظه، على نحو ساذ، أقرب للأُميّة، بفعل وسبب ما وفرّته مواقع التواصل الإجتماعي في النشر لمن هبّ ودبّ، كذلك غياب النقد والتقييم في أوهى درجاته، أي لم تعُد للشعر تلك المكانة والمهابة التي كان يتمتّع به، من بعد كان الشعر "ديوان العرب".
الشاعر حسين علي يونس
أحياناً أفكر بلاجدوى كتابة الشعر حين أجدني منشغلاً بالعيش على الرغم من أن العيش هو شعر الضرورة التي لا تعي أنها شعر (في اقصى تجلياته) وهذا ما يجعلني أكثر تواضعاً في ممارسته بصفته تجريداً قد يصعد او ينزل من أسطح البنايات. حين شرعت بكتابة الشعر كنت أفكر بتغيير العالم بشكل جذري، كما هو شائع لدى جميع الشعراء الذين أردوا تغييره وهز جذعه، لكنهم في النهاية اكتفوا بهز ارواحهم. لقد كنت واهماً بالطبع. كنت أرى العالم بعيني طفل لا يدرك طبيعة الأشياء. كنت ميالاً إلى أن أكون ثورياً ساذجاً، ولاحقاً عرفت أن الشعر (اله العجز) الكلي، فهو غير قادر على تحريك قشة في الريح وغير قادر على تغيير طرق حياة الناس كما تفعل الأيديولوجيا، لكن لحسن الحظ فان الشعر والناس كانا وما يزالان صنوان لا يعانيان مما يمكن أن نعدّهُ فصاماً بين الذات وموضوعها، رغم ان وظيفة الشعر قد شحبت وأصبح الشعر يعيش ويتنفس في محيط ضيق لكنه لا يزال حيا ويعيش حياته بين دفتي كتاب، وها نحن اليوم نجتمع ونتحدث عنه بمحبة واخلاص.
الشاعر منذر عبد الحر
العصر الراهن سريع التطوّر، سريع التحوّل من نمط حياة إلى نمط حياة مختلف، واهتمامات الفرد الحالية فيه اختلفت عما كان عليه الرأي السائد في أن الشعر ديوان العرب، فلم يعد هناك ديوان جامع لعدد من الجلّاس الذين يتبارون بالقصائد، ولم يعد الشعر حلاً يلجأ إليه الحكماء والقادة وزعماء القبائل، كما أنه لم يعد وسيلة الاعلام التي تنقل الحدث من خلال وصفه من قبل شاعر أخذه القائد رفيقا له ليسجل الحدث بأسلوب يبهر المتلقي، لهذا فإن الشعر الآن، خيار ذاتي، يعبر عن هواجس ومشاعر وقضايا مختلفة، وقد انحسر جمهوره لأن هناك بدائل متنوعة تشد الجمهور، وقلّما نجد اليوم شاعرا يتمتع بحضور جماهيري واسع.
الشاعر كريم جخيور
الشعر هو الجواب الحقيقي عن معنى الحياة. حتى وإن تعددت أغراضه وتنوعت أسبابه من المديح والهجاء الى الغزل والبكاء يبقى متوهجا لا ينام دونما خمر.. ولا يصحو دون صلاة. هكذا كان الشعر العربي ولم يزل يشكل حضورا في الساحة الأدبية رغم تنوعها وتبدل ألوانها من القصة والرواية والمسرح الشعري...... بعد انتهاء عام التسعينيات لم نعد نسمع بجيل الألفية الثانية حتى لو كان موجودا ويقدم شعرا جديدا ومختلفا ولكننا لم نسمع بهم باعتبارهم جيلا مختلفا على مستوى الكتابة والنشر والمهرجانات الشعرية. ومواقع الفيسبوك وعلى اختلافات صفحاته..... أما الرواية فهي نمط اخر مختلف ابتدعته الحياة في تحولاتها الحديثة فكانت حقيقة ملحمة العصر الحديث، فمقارنة بالرواية يعد الشعر وسيلة بدائية للتعبير القادر على التعبير عن دواخل الفرد في وحدته الازلية، والرواية نتاج الغرب وعصوره الحديثة حتى لو كتبها العرب منذ مائة عام، ولها قوانينها التي قرت ورسخت عبر القرون الأربعة الأخيرة من حياة البشرية والتي تدخل ضمنها كل الروايات في العالم على اختلاف اساليبها واشكالها ومدارسها ولغاتها وظروفها المتباينة.. الرواية بحق، وكما يقول لوكاش ملحمة العصر الحديث والطبقة البرجوازية التي نهضت على أشلاء القرون الوسطى الغابرة.. يقول الشاعر طالب عبد العزيز..
(يقول الشاعر الأول: ملك السماء، من حلق بأثني عشر جناحا) ولهذا يحاول الشاعر أن يحلق الى السماء بأجنحة الخيال
شعراء: الشعر هو الجواب الحقيقي عن معنى الحياة. مع تعددت أغراضه وتنوعت أسبابه

نشر في: 8 يوليو, 2025: 12:23 ص









