TOP

جريدة المدى > عام > شخصيات اغنت عصرنا..الرسام الأوسترالي سدني نولان/ Sidney Nolan

شخصيات اغنت عصرنا..الرسام الأوسترالي سدني نولان/ Sidney Nolan

نشر في: 8 يوليو, 2025: 12:23 ص

بلقيس شرارة
في عام 1963، حصل الإنقلاب الذي قام به البعثويون ضد رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم، وكان انقلاباً عنيفاً، قُتل خلاله عدد من مفكري ومثقفي البلد، وحجزت أموال رفعة الجادرجي ومنع من السفر. وخلال تلك الفترة العصيبة التي مرّت علينا، حددنا اللقاء حتى بالمعارف والأصدقاء، وبقي عدد قليل من الأصدقاء الذين كنا نلتقي بهم من بينهم الكاتب جبرا إبراهيم جبرا. ذات يوم من أيام الصيف اتصل جبرا برفعة، ودعانا إلى نادي المنصور للتعرف واللقاء بالرسام الاسترالي سدني نولان. كان الرسام في طريقه من لندن إلى استراليا. كما كان من بين المدعويين لورنا زوجة الرسام جواد سليم، وقضينا الليلة في الحديث عن الفن وخاصة ما يحدث في العراق، كما تحدث هو عن الفن في استراليا وعن حركة الفن الحديث التي تبلورت في بلده آنذاك، والتي لم نكن نعرف عنها شيء.
كان سدني نولان من بين الرسامين الأوائل في استراليا حيث شاهد المعرض عن الفن الأوربي الحديث الذي اقيم عام 1936. وقد حضر المعرض آنذاك حوالي 30 الف في الأسبوع الأول من العرض، إذ كانت هي المرة الأولى التي يشاهد المواطن الأسترالي صور "بيكاسو وبراك" وغيرهم من الفنانين الذين ساهموا في تطوير الفن في بداية القرن العشرين، وبعد ان انتهى المعرض اعيدت الصور، ولم تشتري استراليا أياً من اللوحات، التي كانت آنذاك بثمن بخس، والتي تثمن كل صورة منها الآن بملاين الدولارات.
كان سدني نولان في تلك الفترة خلال الثلاثينيات، يعتبر نفسه شاعراً وليس رساماً، وقد تأثر بما شاهده من الصور في المعرض، واصبح من اصدقاء جون وسندي ريد، اللذين كانا الراعييّن للفن الحديث. كما شّجع المعرض على ان يجابه الفنانون المشاكل بصورة جريئة عن السابق. وفي تلك الفترة اصبح عدد من الفنانين يلتقون ببعضهم، واسسوا جماعة ما يعرف بـ (حلقة هايدي/ Heide Circle)، والتي جمعت أهم الفنانين الحديثين آنذاك. مثل آرثر بيود وجون بارسفال وألبرت تاكر وجوي هستر. واصبحت دارهم ملتقى الفنانين من الشباب، يبحثون ما يجب أن يؤول إليه الفن الحديث في استراليا. إذ يجب ان يكون له طابع يختلف عن الطابع الأوربي، ويكون ذا طابع استرالي متميز.
في عام 1938 التقى سدني نولان بزوجته الأولى اليزابث باترسن/Elizabeth Paterson، وهي مصممة الكرافيك وانجبا بنتاً، ولكن لم يستمر زواجهما، بعد علاقته بعائلة ريدز/Reeds، حيث عاش في بيت ريدز خارج ملبورن، وكانت له علاقة بزوجته، وقد رسم أهم صوره للمسلسلة التي بلغت 27 صورة المسماة (Ned Kelly).
وفي عام 1939 قبل الحرب العالمية زارت البالية الفرنسية سدني، وكُّلف في ان يصمم ديكور للبالية بعد ما شاهدوا اعماله التجريدية. كما قام في تصميم ديكور البالية Rite of Spring، في لندن أيضاً.
وفي عام 1942 التحق سدني نولان بالجيش خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن في عام في عام 1944، فرّ من الجيش، واضطر ان يختفي ويستعمل اسماً مستعاراً حتى عام 1948. كما كان المحرر لمجلة البطريق الغاضب/ ِAngry Penguin.
وفي عام 1948 تزوج ثانية شقيقة جون ريد، سنثيا/Cynthia، واستمر على زيارته لريد وزوجته، وقد انهت زوجته حياتها في عام 1976 انتحاراً، وذلك بتناولها كمية كبيرة من الحبوب المنومة.
رسم نولان عدداً كبيراً من الصور من خلال تفسيره للشخصيات التاريخية والأوسطورية، وكان أول من اهتم في رسم سكان استراليا الأصليين، إذ كان الرسم سابقاً محصوراً بالشخصيات التي تمثل تاريخ استراليا الحديث المبني على الرجل الأبيض والعائلات البيض، ولم يكن احد يهتم بالسكان الأصليين "الأبورجين/ Aboriginal". الذن هم من عدة أعراق. ولهم ثقافاتهم المتميزة عن الذين احتلوا بلدهم في القرن التاسع عشر. وقد اعترفت الحكومة الأسترالية بالمحافظة على هذا التميز بين الناس الأصليين كما اعترفت بالعَلمْ وأصبح من الأعلام الرسمية في استراليا عام 1995. ولذا نجد اهمية سدني نولان في الدور الذي لعبه في هذا المجال، فهو أول من وثّق التاريخ والاساطير المتعلقة بسكان البلد الأصليين.
خلال فترة الكساد الاقتصادي الذي عمّ العالم قبل الحرب العالمية الثانية، ركّز سدني نولان في رسومه على معاناة الناس وعن رسمه ما يسمى بفكرة "القومية"، من خلال قصة البطل الذي اصبح كناية عن تمثيله للبشرية، ومن خلال الحرب والضحية والبطل، الذي يقاوم الظلم بحبه للحرية. وتلك الصور التي رسمها أعطت المشاهد عمقاً تاريخاً عن جمال استراليا. كما وثّق الجفاف الذي عانت منه استراليا في تلك الفترة. واتجه في التوثيق إلى التصوير الفوتوغرافي، فأصبحت صوره الفوتوغرافية مهمة جداً في هذا المجال. ولم يكن سدني نولان رساماً ومصوراً فوتوغرافياً فقط، وإنما عمل كمحرر لمجلة " Angry Penguin" ومصمم غلاف المجلة الفنية أيضاً، كما رسم غلاف قصائد Ern Malley، واستمر تأثيرها عليه من خلال الظروف الشخصية التي مرّت عليه طيلة حياته.
في عام 1951 انتقل إلى لندن للعيش والعمل فيها، وكان آنذاك في لندن عدد مهم من الرسامين والنحاتين الذين اصبح لهم دور مهم بعد الحرب العالمية الثانية. كما سافر في أنحاء أوربا، وقضى بعضاً من وقته في رسم الأساطير اليونانية في اليونان.
وفي تلك الفترة درس الحفر على الخشب والجبس، وقام في رسم أغلفة للشاعر روبرت لاوول/ Robert Lowell، كما اقيم له معرضاً لأعماله في معرض الصور في الوايت شبل/ Whitechapel في عام 1957. وقد كُلف بمشاريع كبيرة منها تكليف الموسيقار بنجامين برتن/ Benjamin Britten، في مهرجان أدنبرا في عرض صوره في المهرجان.
توفي سدني نولان في انكلترا في عام 1992 عن عمر يناهز الخمسة والسبعون عاماً، ودفن في مقبرة هاي غيت/ High gate، وهي المقبرة التي دفن فيها عدد من العظماء من القرن التاسع عشر والعشرين، بما في ذلك الفيلسوف كارل ماركس.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

بروتريه: فيصل السامر.. قامة شامخة علماً ووطنيةً

موسيقى الاحد: 250 عاماً على ولادة كروسيل

الحكّاء والسَّارد بين "مرآة العالم" و"حديث عيسى بن هشام"

في مجموعة (بُدْراب) القصصية.. سرد يعيد الاعتبار للإنسان ودهشة التفاصيل الصغيرة

شخصيات اغنت عصرنا.. الملاكم محمد علي كلاي

مقالات ذات صلة

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة
عام

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

أدارت الحوار: ألكس كلارك* ترجمة: لطفية الدليمي يروى كتابُ مذكرات لي ييبي Lea Ypi ، الحائز على جائزة، والمعنون "حُرّة Free" تجربة نشأتها في ألبانيا قبل وبعد الحكم الشيوعي. أما كتابُها الجديد "الإهانة indignity"...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram