السماوة / كريم ستار
تواجه محافظة المثنى في أقصى الجنوب الغربي للعراق أزمة مزدوجة من شح المياه وتلوث الأنهر، وسط غياب واضح للإجراءات الحكومية الفاعلة، وتمثل قبيلة "آل عبس" الساكنة شرق قضاء الرميثة، نموذجاً لمعاناة واسعة تطال فئات كبيرة من السكان الذين فقدوا مصادر رزقهم، واضطروا للنزوح بحثاً عن الماء لا عن العمل.
يتحدث حسين طه، وهو مزارع من أبناء القبيلة، عن معاناة يومية يعيشها السكان: كنا نعتمد على الزراعة والرعي في معيشتنا، اليوم جفّت السواقي، وقلّ الماء حتى في الآبار، وبتنا نشتري ماء الشرب من مناطق بعيدة بأسعار مرهقة. مضيفاً أنه اضطر للنزوح إلى مركز المدينة مع عائلته بسبب انعدام الماء، شأنه شأن كثيرين من أبناء المنطقة.
نصف السكان مهددون
تشير تقديرات غير رسمية إلى أن أكثر من 50% من سكان المثنى يعتمدون على الزراعة وتربية المواشي كمصدر دخل رئيسي، وهو نمط حياة مهدد بالكامل بسبب أزمة المياه. ويؤكد مرصد المثنى للبيئة والتنمية أن المحافظة فقدت خلال العقد الأخير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية نتيجة تراجع الإطلاقات المائية وانعدام الخطط التنموية الجادة.
في هذا السياق، قال معاون محافظ المثنى لشؤون الزراعة والموارد المائية، يوسف سوادي، لـ (المدى) إن "الكثير من الأسر هجرت مساكنها ومزارعها، خصوصاً في المناطق القريبة من النهر مثل آل عبس"، مشيراً إلى أن الأسباب تعود لتحكم دول المنبع بالإطلاقات المائية، وعلى رأسها تركيا، إضافة إلى ما وصفه بـ "تجاوزات" من قبل محافظات مجاورة مثل الديوانية وبابل والنجف على حصة المثنى المائية.
وتعاني دائرة الموارد المائية في المثنى من شلل شبه تام، إذ لم تتلقَّ أي مخصصات تشغيلية منذ أكثر من 8 أشهر، ما أدى إلى توقف أعمال الصيانة وكري الأنهر وتزويد محطات الضخ بالوقود، وأكد سوادي أن الكوادر تعمل بجهود ذاتية، فيما تبرر وزارة الموارد المائية الأمر بقلة السيولة المالية. رغم محاولات التقنين باستخدام أنظمة "المراشنة" وتقنيات الري الحديثة مثل الرش والتنقيط، إلا أن هذه الحلول تبقى محدودة أمام أزمة واسعة النطاق، وإلى جانب الشح المائي، تتفاقم الكارثة بسبب التلوث، إذ أشار سوادي إلى أن مياه نهر الفرات القادمة إلى المحافظة محمّلة بالصرف الصحي من محافظات بابل والديوانية والنجف، عبر أكثر من 15 مَذَبّاً دون أي معالجة، ما يجعلها غير صالحة للزراعة أو حتى للاستخدام اليومي.
هجرة داخلية وتفكك مجتمعي
وتشهد قرى وقبائل المثنى، ومنها "آل عبس"، موجة نزوح واسعة نحو مراكز المدن، نتيجة فقدان مصادر العيش وتلوث البيئة، وحذّر مراقبون من أن استمرار هذا النزوح سيؤدي إلى تفكك مجتمعي، وفقدان الطابع الزراعي للمحافظة، في ظل ضغط متزايد على الخدمات الأساسية داخل المدن.
وفي مواجهة هذه الأزمات المتراكمة، يطالب المزارعون والمسؤولون المحليون الحكومة المركزية بإعلان المثنى منطقة منكوبة مائياً وبيئياً، وتخصيص موازنة طارئة لإعادة تأهيل شبكات الري، وحماية ما تبقى من الأراضي الزراعية في المحافظة.










