المدى / عمّار عبد الخالق
رغم مرور أكثر من أحد عشر عامًا على وضع حجر الأساس، لا يزال مشروع ماء البصرة الكبير غير مكتمل، في وقت تُعد فيه المحافظة من أكثر مناطق العراق تضررًا من شحّة المياه وتلوّثها، المشروع الذي يُفترض أن يخدم أكثر من مليوني نسمة، لم يتجاوز نسبة إنجازه 73% حتى تموز 2025، وفقًا لبيانات وزارة الإعمار والإسكان، التي أكدت استمرار العمل على تنفيذ الخط الناقل بطول 37 كيلومترًا.
كلفة ضخمة ومساءلة غائبة
تجاوزت الكلفة التقديرية للمشروع 400 مليون دولار، وسط ما وصفته مصادر من ديوان الرقابة المالية الاتحادي بـ «الفروقات الكبيرة» بين الصرف الفعلي والمخطط، نتيجة تعدد المتعاقدين وتوقف التمويل في مراحل مختلفة، مع غياب المساءلة عن مخرجات الصرف.
وصنّف تقرير الديوان لعام 2023 المشروع ضمن قائمة «المشاريع الوزارية المتلكئة»، مؤكدًا أن أكثر من 60% من المشاريع المتعثرة في العراق تعود إلى ضعف التنسيق، وسوء الإدارة، وتشظي المسؤوليات بين الجهات المنفذة.
استمرار التعثر في المشروع يعيد إلى الأذهان صيف عام 2018، حين سجلت مستشفيات البصرة أكثر من 118 ألف حالة تسمم ناتجة عن تلوث مياه الشرب، ورغم تعاقب الحكومات وتعدد الوعود، لم تفلح الجهات المعنية في توفير مصادر مياه آمنة، ما أبقى سكان المحافظة يواجهون أزمة عطش مزمنة خلال أشهر الصيف.
يقول سعيد حسن، من سكان منطقة الجمهورية، إن «الماء من الحنفية غير صالح للشرب منذ سنوات»، ويضيف في حديثه لـ (المدى): «نعتمد على الشراء أو محطات RO، ولم نعد نثق بأي وعود حكومية».
أما أم جاسم، من منطقة البراضعية، فتؤكد أن «تكلفة شراء الماء يوميًا تفوق تكلفة الكهرباء»، مضيفة: «لا نرى من المشروع سوى الأنابيب المقطوعة».
الوزارة: العمل مستمر رغم التحديات
وفي تصريح خاص لـ (المدى)، أكد المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان، نبيل الصفار، أن المشروع يشهد تقدّمًا، وأن المرحلتين الثالثة والرابعة قد أُنجزتا، فيما يتواصل العمل على المرحلة الأولى.
وأشار الصفار إلى أن جائحة كورونا، والأزمات السياسية، وتأخر إقرار الموازنات، كانت من أبرز التحديات التي أعاقت التنفيذ، مرجّحًا افتتاح المشروع في بداية عام 2026، ومؤكدًا المتابعة الميدانية لضمان الالتزام بالجدول الزمني.
من جانبه، قال المهندس عمار عادل حسين المالكي، مدير عام المديرية العامة للماء، إن المشروع يُعد من أبرز المشاريع الستراتيجية في البرنامج الحكومي، ويغذي قضاء البصرة بالكامل انطلاقًا من محطة الهارثة، بطاقة إنتاجية تبلغ 200 ألف متر مكعب في الساعة. وأشار المالكي إلى إنجاز 23 كيلومترًا من أصل 37 كيلومترًا من الخط الناقل، فضلًا عن عبور نهر الكرمة بأنبوب بطول 300 متر وعمق 27 مترًا، لافتًا إلى أن العمل جارٍ حاليًا في منطقتي Zone 14 وZone 19، وبثلاث وجبات عمل يوميًا.
الحكومة المحلية تطالب بصلاحيات
وقال عضو مجلس محافظة البصرة، علي العبادي، في تصريح لـ (المدى)، إن المشروع يُدار اتحاديًا ولا تملك الحكومة المحلية صلاحية تنفيذية مباشرة فيه، مضيفًا: نراقب ونتابع، لكن دورنا محدود بسبب مركزية القرار.
وأوضح العبادي أن المجلس يشعر بالخجل من استمرار التأخير، رغم ضخامة الأموال المصروفة، داعيًا إلى تفويض أوسع للحكومات المحلية، وتمكينها من إدارة الخدمات الحيوية، معتبرًا أن «اللامركزية هي السبيل لتجاوز التعثر».
ويرى المهندس محمد ياسر، المتخصص في شبكات المياه، أن المشكلة لا تتعلق بسرعة الإنجاز فحسب، بل بغياب الرؤية المتكاملة، موضحًا لـ (المدى) أن إنجاز المشروع لن يحقق الأثر المرجو ما لم تُصنّف الشبكة القديمة وتُطوّر محطات التحلية والمعالجة، محذرًا من استمرار الهدر والفقد في التوزيع دون ذلك.
400 مليون دولار.. 11 عامًا من التأخير في مشروع ماء البصرة الكبير
المحافظة تعاني. . والمشروع لا يكتمل

نشر في: 9 يوليو, 2025: 12:11 ص









