علي إبراهـيم الدليمي
يقام حاليا في متحف كتابات العالم بمدينة فيجاك، الفرنسية، معرض للخطاط المغترب حسن المسعود، يستمر حتى 2 تشرين الثاني 2025. يقدم هذا المعرض مجموعة فريدة من الخطوط القديمة والحديثة، والتي ترسم معا صورة واضحة للتجربة الفنية المعاصرة في فن الخط العربي.
يتجلى فن المسعود في هيكل متحرك، هيكل في صعود لولبي، لا يسير في طريق مغلق، بل في ديناميكية خطية تعكس جوهر حركة عناصر الطبيعة المحيطة بنا، التي هي دائما في حركة صعود وهبوط. هذه الحركة تتأرجح بين نقطتين: نقطة ثبات ضمن التكوين، ونقطة انفلات وهرب في مكان آخر. إن هذه الهندسة اللولبية، التي تُلاحظ في العواصف والأعاصير، ترمز إلى القوة الكامنة في الطبيعة.
يصف المسعود اللقاء بين شكل التكوين الخطي وعالمنا الداخلي بأنه رغبة غامضة، آتية من كل ما سبق ونقش في الوعي منذ الصغر. هذه الرغبة مرتبطة بكل ما هو في صعود وهبوط في الطبيعة، وتدفعنا دائما للبحث عن الشكل الكبير من خلال الشكل الصغير، سعيا للارتقاء والكمال.
يعبر كل هيكل خطي في حركته اللولبية عن رؤى الخطاط الفنية. يمكن للخطاط أن يبدأ عبارته من الأعلى إلى الأسفل، أو من اليمين أو اليسار، وحتى من الأسفل نحو الأعلى. هذا يعني أن قراءة التكوين الخطي ممكنة من جميع الاتجاهات، على عكس الكتابة التقليدية من اليمين إلى اليسار. الهدف هنا ليس القراءة الحرفية، بل التأمل في عبارات الحكمة أو التخيلات الشعرية التي قد تتخذ أشكالاً متعددة عند عدة خطاطين.
يكمن وراء الخطوط هيكل هندسي بسيط، غالبا ما يكون مربعا أو دائرة أو مثلثا، لكن الكلمات التي تُخط عليه تتخذ أشكالا أكثر تعقيدا. هنا تبرز مهارة الخطاط في مواجهة تحد صعب، إذ توجد علاقة غير مرئية بين ترتيب الحروف وجوهر الشكل الهندسي الكامن خلفها.
يستفيد المسعود من صفحات الكتب القديمة التي قُدمت إليه في نهاية أعمال باحثة إنجليزية، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الخطوط القديمة التي تمثل اهتمامه الواسع ببحوث الخط العربي. يعكس هذا الاهتمام سعة استيعابه للقيم الفنية الكامنة في الخطوط القديمة، والتي تتطلب التجديد والاستفادة من جوهر جمالها الفني عبر الأساليب المتعددة، سواء على جدران المعالم المعمارية أو داخل الكتب في بغداد وإسطنبول والقاهرة. الهدف الأساسي من استكشاف هذه المجموعة القديمة هو اكتشاف الثراء الفني الكامن فيها.
يعد الفنان حسن المسعود من أوائل الفنانين العرب الذين مهدوا الطريق للوحة الخطية الفنية ونشرها في الدول غير العربية منذ سبعينيات القرن الماضي. لقد قدّم لوحات حروفية فريدة بأسلوبه الفني المتميز، حيث حوّل الحرف العربي إلى لغة بصرية خاصة وعنصر تشكيلي أساسي في بناء اللوحة.










