TOP

جريدة المدى > عام > دراسة بالروسية: لطفية الدليمي من رواد السرد العراقي الحديث

دراسة بالروسية: لطفية الدليمي من رواد السرد العراقي الحديث

نشر في: 13 يوليو, 2025: 12:02 ص

بقلم د. اماليا ماكروشينا*
ترجمة د. فالح الحمـراني
ظهرت في العقود الأولى من القرن العشرين، عدد من الكاتبات العراقيات ومنهن سلمى بنت عبد الرزاق الملائكة الملقبة بِـأم نزار الملائكة، وفطينة نائب، التي كتبت تحت اسم مستعار هو صدوف العامرية، ومقبولة الحلي أو عفراء، وغيرهن. وتغيرت مكانة الكاتبات في المجتمع بالتزامن مع التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي شهدتها البلاد. ودخلت أسماء جديدة الساحة الأدبية العراقية لتصبح من أبرز الكاتبات العربيات. وشهد عام ١٩٣٧ نشر أول قصة قصيرة لكاتبة عراقية وذلك عندما نشرت دلال خليل صفدي ذات الأصول اللبنانية مجموعتها القصصية "أحداث ووقائع". التي رأى العديد من النقاد إن هذه القصص لم تتوافق تمامًا مع مفهوم القصة القصيرة، بل قدمت مقالات بلاغية. وكانت رسالتها الدعوةً إلى مراعاة المعايير الأخلاقية للمجتمع. وبعد حوالي عشر سنوات، وتحديدًا عام ١٩٤٨، نشرت مليحة إسحاق روايتها "عقلي دليلي". يُعد هذا العمل أكثر نضجًا من حيث المحتوى، إذ يتتبع تطور الشخصية الرئيسة على مدى عدة عقود تجدر الإشارة إلى أن الأخلاق ودور المرأة في المجتمع كانا موضوعين مفضلين في الرواية النسوية العربية. كما تناولت الكاتبات اللاحقات هذه المواضيع من زوايا مختلفة في كتاباتهن.
وركزت روايات الخمسينيات والستينيات وما بعدها على موضوع آخر: العلاقات داخل الأسرة التي تنطوي على الخيانة، وكفاح المرأة ضد المعاملة غير العادلة والقسوة والعنف ضدها. وقد سلط الناقد الأدبي عمر طالب الضوء على هذه الخطوط القصصية في أعمال سافرة جميل حافظ، وسميرة المانع وميسلون هادي وعالية ممدوح هادي ولطفية الدليمي.
دخلت لطفية الدليمي عالم القصة العراقية في السبعينيات بنشر مجموعتها ممر إلى أحزان الرجال، وتوالت نشر اعمالها بين القصة القصيرة والرواية التي تركت بصماتها على السرد العراقي ومثلت منعطفَا في طريقه. وهي الآن مؤلفة لأكثر من عشرين مجموعة من القصص القصيرة والروايات وخمس مسرحيات والعديد من السيناريوهات وثلاث مجموعات من المقالات. ويركز عمل الكاتبة عادة على حياة المرأة العربية، مع همومها ومشاكلها وأفكارها. فمن بوسعه الكتابة عن هذا أفضل من المرأة العربية نفسها؟ ووصف الناقد فاضل ثامر لطفية الدليمي بأنها مؤسسة نوع واقعي جديد في الأدب. كما كتبت الدليمي في ادب الرِّحْلات والنقد والشؤون الثقافية ونظرية الرواية...وشكل تناول الواقع العراقي المعاصر الموضوع المركزي الثاني في إبداعات الكاتبة الروائية. يعاني العراق على مدى سنوات طويلة متتالية من الحروب والدمار. وغدت حياة الإنسان/ المواطن في ظل الخوف المستدام على الحياة الشخصية وحياة الأقارب مأساة للمجتمع العراقي المعاصر الذي اضطر الكثير من أبنائه مغادرة وطنهم. وعلى هذا الغرار اضطرت لطفية الدليمي، التي لم ترغب حتى اللحظة الأخير مغادرة موطنها بغداد، بالرغْم إلحاح أقاربها واصدقائها على الهجرة. وأودعت الكاتبة ألمها، وهموم شعب بِرُمَّته في رؤية ثاقبة ومروعة عن الحياة في أثناء الحرب. وكرست دار المدى ملحقا خاصا عن ابداعاتها واقامت ندوة للاحتفاء بتجربتها الثقافية. سرد رواية "خسوف برهان الكتبي" للأديبة عن تعقيدات حياة ومصاعب المثقف في العراق. وتكتب الدليمي بلغة غنية مليئة بالصور والاستعارات، واصفة معاناة شخص اضطر بيع أغلى ما لديه، كتبه. وكانت الكتب تعني كل شيء للشخصية الرئيسة- فهي حياته ذاتها. ورصد النقاد أن الكاتبة تمزج في هذا العمل أنماط أساليب مختلفة. وعلى هذا النحو تُستبدل مقاطع شعرية بصورة غير متوقعة بحوارات عن نهاية العالم، مع أنّ النص يظل في نفس الوقت واقعيا تمامَا. ومن بين الأعمال اللافتة للكاتبة رواية بعنوان "نساء زحل"، التي صدرت عام 2012. تتكون هذه القصة، المقدمة على شكل مذكرات، من (تسعة) فصول. تم جمع التسجيلات من قبل الصحفية حنان البابلي، التي تنتمي إلى إحدى العائلات العراقية الأكثر شهرة واحترامَا. وتجري احداث الرواية على خلفية الأحداث التي هزت العراق قبل وبعد الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003. وتبدأ الكاتبة الرواية بأسئلة، التي تحاول ان تجد ايجادها في جميع أنحاء السرد. ويشبه وصف لطفية للضربات العسكرية الأولى على بغداد لقطات فيلم لإثارة رعب الناس العاديين، وأعيد سردها نيابة عن شهود عيان. ونالت الرواية شهرة واسعة لدرجة أنه أعيد نشرها ثلاث مرات.
ويحظى إنتاج لطفية الدليمي الإبداعي بتقدير كبير من قبل زملائها في القلم. على سبيل المثال، كرست الشاعرة العراقية دنيا ميخائيل التي تعيش حاليا في الولايات المتحدة، إحدى قصائدها بعنوان "ليس أنا... م. " يشبه العمل في الشكل والمحتوى، تهويدة تغنيها الأم لطفل، تعيد القارئ إلى الطفولة. يعتقد النقاد أن تجسيد صورة الأم هو لطفية الدليمي، التي كرست لها الكاتبة قصيدتها.
ترجمت أعمال الكاتبة إلى لغات أوروبية وآسيوية، وحصلت مجموعتها "الموسيقى الصوفية"، الصادرة عام ١٩٩٤، على جائزة أفضل عمل أدبي في العام نفسه. وللأسف، لم تنشر غير عمل واحد من اعمال لطفية الدليمي باللغة الروسية. إذ نُشرت لها قصة قصيرة بعنوان "النجاة في أرض الموت" ضمن مجموعة "لؤلؤة الشرق" النثرية العراقية الحديثة الصادرة عام 2015. ويمكن تصنيف القصة المنشورة في المجموعة ضمن النوع الأدبي الإخباري أكثر من كونها عملًا روائيًا. تصف لطفية الدليمي بألم ويأس، بضمير المتكلم، يومها المعتاد في مسقط رأسها بغداد، التي تحولت فجأة إلى ساحة حرب. وغدت الأنشطة الروتينية - كإعداد الفطور، وقراءة كتاب، ومشاهدة التلفاز - رفاهية بعيدة المنال للناس. وبدت كلمات الكاتبة مروعة: "الساعة الثامنة صباحًا هي وقت حديث يومي مع صديقتي الفنانة حنة. في وقت محدد صباحًا ومساءً، نتصل ببعضنا البعض عبر الهاتف لنتأكد من أننا ما زلنا على قيد الحياة... من عادتنا أن نخبر بعضنا البعض بتحركاتنا، كما لو كنا نؤمن أنفسنا من المفاجآت والموت العرضي". لطفية الدليمي ليست مؤلفة قصص وروايات فحسب، بل أيضًا مسرحيات. ولذلك، مُنحت مسرحيتها "ليالٍ سومرية" جائزة أيضًا، وعلى الرغم من كل الظروف، يستمر الأدب النسائي في العراق في التطور. بدءَا من الشعر التقليدي والقصص القصيرة البسيطة في المحتوى والشكل، توصلت الكاتبات العراقيات إلى أشكال وأنواع جديدة في إبداعهن، بعد أن نجحن في العثور على مواضيع قريبة ومثيرة لاهتمام للقارئ. ووفقا لنقاد الأدب، فإن أدب المرأة العراقية له سمة محددة تميزه إلى حد ما عن آداب الدول العربية الأخرى. يكمن في حقيقة أن أدب المرأة العراقية لم يعارض أبدا أدب الكتاب الذكور، بل على العكس، أكمله، وعلى هذا تشكلت صورة موحدة ومتعددة الأوجه للعالم.
* أستاذة اللغة العربية وادبها في كلية الدراسات الشرقية-بجامعة سانت بطرسبورغ الحكومية

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

بروتريه: فيصل السامر.. قامة شامخة علماً ووطنيةً

موسيقى الاحد: 250 عاماً على ولادة كروسيل

الحكّاء والسَّارد بين "مرآة العالم" و"حديث عيسى بن هشام"

في مجموعة (بُدْراب) القصصية.. سرد يعيد الاعتبار للإنسان ودهشة التفاصيل الصغيرة

شخصيات اغنت عصرنا.. الملاكم محمد علي كلاي

مقالات ذات صلة

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة
عام

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

أدارت الحوار: ألكس كلارك* ترجمة: لطفية الدليمي يروى كتابُ مذكرات لي ييبي Lea Ypi ، الحائز على جائزة، والمعنون "حُرّة Free" تجربة نشأتها في ألبانيا قبل وبعد الحكم الشيوعي. أما كتابُها الجديد "الإهانة indignity"...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram