TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > إيران بين دونالد ترامب ورافائيل غروسي

إيران بين دونالد ترامب ورافائيل غروسي

نشر في: 14 يوليو, 2025: 12:02 ص

حسن الجنابي

(1-2)
في لقاء خاص مع دبلوماسي إيراني رفيع قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020 سألته إن كانت إيران تفضل فوز أي من المرشحيْن جو بايدن أم دونالد ترامب في تلك الانتخابات، فأجابني بأن إيران تفضل فوز دونالد ترامب!
كانت تلك إجابة مثيرة. فقبل ذلك التاريخ بفترة قصيرة أقدم ترامب على اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، في "عملية المطار" في بغداد في أوائل كانون الثاني 2020.
سألته عن السبب بالطبع، فأجاب بما معناه أنهم خلصوا الى استنتاج بأن دونالد ترامب لن يشن حرباً على إيران، برغم اغتيال الجنرال سليماني.
فقلت بأن هذا الموقف يبدو "أحادي الجانب أو أنانياً"، وأضفت بأنه لم يأخذ بالاعتبار مواقف ترامب من القضايا الكبرى الأخرى التي قد تعني إيران، مثل انسحابه من الاتفاق النووي الذي أبرمته الدول الكبرى مع إيران، وقضية فلسطين ودعمه العلني اللامحدود لإسرائيل، ودور عائلته بما سمي بالاتفاقات الابراهيمية، والفوضى التي خلقها في النظام الدولي في دورته الأولى، كانسحابه من بعض هيئات الأمم المتحدة أو من اتفاق باريس مثلاً... الخ.
فقال: إن الموقف الأمريكي من مجمل تلك القضايا الأخرى لا يختلف بين رئيس وآخر، ولكن في ظل ترامب قد يكون الوضع أكثر أماناً لأنه لا يريد الحرب مع إيران.
خسر ترامب تلك المنافسة لصالح بايدن ولكنه عاد بعد ذلك بأربع سنوات ليحكم قبضته على السياسة الأمريكية بكل مرافقها المعقدة، ويستمر بطريقته غير المعتادة في الحكم، والتي لا تنسجم مع مواقف سابقيه، بإطلاق التصريحات المتناقضة بشأن إيران بين الحب والكراهية والتهديد، ولينفذ لصالح إسرائيل ضربات جوية موجعة لمواقع نووية إيرانية في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على إيران في حزيران الماضي.
يبدو أن تقدير إيران لنوعية العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة مازال نافذاً، بدليل "الانفتاح" المعلن عن القبول، أو الرغبة، بمواصلة الحوار مع الأمريكان. قد يشير هذا القبول الى أن إيران ليس لديها خيارات كثيرة أخرى، لكن الأمر يتضمن أيضاً القدرة على التعاطي مع دونالد ترامب، المغرم بالصفقات وفرص البزنس، في حال التوصل الى تفاهمات، وهذا لا يبدو مستحيلاً على أي حال، خاصة إثر الإنهاك الاقتصادي الذي تتعرض له إيران منذ عقود، ورغبات ترامب في الهيمنة الاقتصادية.
أما السفير الأرجنتيني في النمسا رافائيل غروسي، والذي قاده الحظ لكي يصبح مديراً عاماً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، نتيجة للعرف المعتمد في وكالات الأمم المتحدة القائم على التداول الجغرافي للمناصب العليا في المنظمة، فهو مثّل ويمثّل عنصر مواجهة دائمة مع إيران. وأعتقد انه يعتبر تلك "المواجهة" مع إيران نافذته لتأمين دعم الغرب لتجديد عهدته لأربع سنوات أخرى، وقد حصل على مراده وسيبقى حتى نهاية 2027 بعد تثبيته بالمنصب لدورة ثانية.
على العكس من سابقه، الياباني يوكيا أمانو، المعروف بابتعاده عن الإعلام والتركيز على العمل الفني للوكالة في مجال عملها الحسّاس، فإن غروسي مغرم بالظهور الإعلامي الذي من خلاله تعثرت أجواء عمل الوكالة -مع إيران مثلاً- والأصح هو انزلاقها نحو التسييس أكثر من أي وقت مضى.
وللمقارنة فقد حصل الاتفاق المعروف باتفاق (5+1)، والذي هو اتفاق شامل بشأن البرنامج النووي الإيراني، أثناء تولي يوكيا أمانو رئاسة وكالة الطاقة الذرية. وقد لعبت الوكالة دوراً محورياً في التوصل الى ذلك الاتفاق، بالتعاون مع أعضاء مجلس الأمن الدائمين والإتحاد الأوربي، دون أن يظهر يوكيا أمانو في الإعلام ليسّوق لنفسه، أو للوكالة عن ذلك المنجز الهام للأمن الدولي. أما رافائيل غروسي فلم يترك مناسبة دون أن يظهر في الاعلام، أو يصدر تصريحاً، أو يعقد اجتماعات في أوقات زمنية حرجة كما جرى في يوم 12 حزيران الماضي، والذي يعتبره الكثيرون بأنه أعطى "الحجة" الدامغة للعدوان الإسرائيلي، على المنشآت النووية الإيرانية، في اليوم التالي للبيان الذي يدين إيران ويتهمها بالتنصل عن التزاماتها بمعاهدة حظر الأسلحة النووية.
وبالعودة قليلاً الى الخلف، فليس من دون مغزى الإشادة التي "تبرع" بها وزير خارجية ترامب في عهدته الأولى مايك بومبيو لصالح رافائيل غروسي، ودعمه له لتولي رئاسة الوكالة خلفاً للياباني يوكيا أمانو، حينها ولا أعتقد بأن ذلك الدعم كان بعيداً عن الموقف من الملف الإيراني.
من تجاربي في العمل الدبلوماسي، ومراقبتي لأداء الوكالات الأممية، فإن مدراء تلك الوكالات الذين يكونون من أصول عالمثالثية يكونون أكثر عرضةً للضغوط والإغراءات من الغرب واللوبيات المعروفة. وإذا أضفت الى ذلك افتقار رئيس الوكالة المعنية للكاريزما القيادية المطلوبة، فلا شك في أن الوكالة التي يرأسها تكون عرضة للتلاعب والضغوطات والاستخدام السياسي الانتهازي. وبرأيي فأن هذا التوصيف ينطبق على السيد رافائيل غروسي. وهذا يمثل خطورة ويسهم في تراجع النظام الدولي العالمي لصالح بعض مراكز القوى المعروفة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram