نصيف الخصاف
شرعية النظام السياسي، أي نظام، تعني، حسب هابرماس 1979)) وجود أسباب وجيهة، للإعتراف بصحة وعدالة واستحقاق وجدارة النظام السياسي للحكم" فيما يعرفها بيثام (1991) بأنها "توافق عمل السلطات مع القواعد الشعبية المبررة شعبياً التي تتيح قبول الناس بحكم تلك السلطات" مع وجود تعريفات أخرى لا تختلف من حيث الجوهر مع ما يتضمنه التعريفان أعلاه من شرط قبول واعتراف المحكومين بعدالة وجدارة السلطات الحاكمة له، ما يعني ضمناً إن إخفاق السلطات في تحقيق شرط العدالة، سواء في تطبيق القوانين، أو في الإجراءات والمعاملات، أو في توزيع المكافئات وإيقاع العقوبات، أو كان عمل السلطات لا يتوافق مع إرادة القواعد الشعبية، يُفقد النظام السياسي شرعيته التي مُنِحها من قبل مواطنيه، وثمة من يجادل، أن السلطة قد تكون اكتُسبت من خلال صنادق انتخابات "شفافة ونزيهة" وهي حجة، وإن كانت قوية ومقنعة في أغلب الأحيان، لكنها في أحيان كثيرة لا تعكس إلا رغبة القوى الممسكة بالسلطة في إضفاء الشرعية الشكلية على وجودها، فجوهر عملية الإنتخابات هو أن تكون وسيلة سلمية تتيح للمحكومين تغيير السلطة سلمياً، بدل اللجوء إلى الثورات والاحتجاجات التي قد تؤدي إلى نتائج وخيمة للبلد المعني، وهذا يحتاج إلى إدراك أحزاب السلطة وعملها من أجل ضمان شفافية ونزاهة الانتخابات، لا أن تعمل على أن تكون وسيلة تحقق غايتها في الاحتفاظ بالسلطة، كما حدث، ويحدث في بلدان كثيرة.
لكن ثمة مشكلة نظرية تظهر في المعيار الذي يمكن بوساطته مقايسة "عدالة النظام"، ومدى "توافق عمله مع إرادة القواعد الشعبية"، ما يحيلنا إلى سؤال محوري، هل يُدرك المحكومون مقدار انحراف النظام عن مسار تحقيق العدالة؟ وهل يدركون مقدار توافقه مع إرادتهم الشعبية؟ فإدراكهم للتناقض بين ما يحصلون عليه من خدمات، وظروف المعيشة، وبين ما يأملونه أو يتوقعونه من السلطات من الخدمات وظروف المعيشة، بالإضافة إلى إدراكهم لوجود تناقض أو اختلاف في تطبيق القوانين والإجراءات بينهم وبين المحسوبين على السلطات، يُعد شرطاً أساسياً في تقرير مدى شرعية النظام من عدمها.
تناول د. مازن حاتم هذا الموضوع بتفصيل أكثر، وبطريقة أكاديمية رصينة، في كتابه الموسوم (تآكل الشرعية السياسية/ دراسة في سيكولوجيا الموقف من السلطة) الذي صدرت طبعته الأولى عن دار قناديل للنشر والتوزيع سنة 2024، ومما ذكره أن "الوعي الناقد" الذي عرّفه (Freire 1973) بأنه "الطريقة التي يتعلم بها الأفراد المضطهدون والمهمشون، تحليل أوضاعهم الاجتماعية بشكل ناقد، والعمل على تغييرها" أو كما عرفه (Diemer, M. A. 2017) قدرة الأفراد على التحليل الناقد لأوضاعهم الاجتماعية والسياسية، وتأييد المساواة الاجتماعية، والعمل على تغيير أوجه عدم المساواة المُدركة"، أي كما ذهب أرسطو "أن الآليات التي تتبعها السلطات في توزيع المكافئات على المجتمع، هي جزء لا يتجزأ من سياساتها، وأن الظلم التوزيعي هو الذي يجعل الحكومات غير مستقرة".
ولو أجرينا بحثاُ ميدانياً، كما فعل د.مازن حاتم في كتابه المشار إليه أعلاه، عن مدى رضا الناس في أي بلد، عن عدالة، وجدارة النظام السياسي، وقناعتهم بأنه يمثل إرادتها، من خلال إجابة أسئلة مثل هذه:
هل تثق بالحكومة في بلدك؟ هل يتعامل القضاء في بلدك مع الكل بالتساوي؟ هل البرلمان في بلدك له الحق في اتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتك؟ هل يستحق النظام القائم في بلدك أن يمنحه الناس ولاءهم المطلق؟ هل تعمل الحكومة لصالح كل المواطنين، وليس لصالح فئة معينة؟ هل الانتخابات في بلدك، حرة ونزيهة؟ هل ما يقوله القادة السياسيون، يستحق التصديق؟ هل ينبغي على الناس الخضوع إلى القوانين التي يصدرها البرلمان حتى لو كانوا يعتقدون أنها غير عادلة؟ وغيرها من الأسئلة التي يمكن من خلالها مقايسة شرعية النظام من عدمها، لوجدنا أن عدد كبير من الأنظمة، بما في ذلك تلك التي تُجرى فيها انتخابات شكلية تفتقد إلى الشرعية بأشواط.










