علي عبد السادةبين جمعة الغضب وتلك الموسومة بالكرامة، ثمة حصيلة جديدة لرمزية نصب الحرية:اختلطت الأوراق ليلة الخميس، عشية 25 شباط.. الأصوات القادمة من كل مكان تتضارب وتتقاتل على الفوز بقناعة الشارع. الجميع يريده، يخطط للقبض عليه،
كأنها انتخابات وعليهم إتقان لعبة التأثير لا التأثر.الصوت القادم من الحكومة ضبابي، غير مفهوم، عاجز عن إمساك وحدة الموضوع، لكنه، في مجمله، خطاب منزعج من"الاحتجاج". كان يقول، مستبطنا (خيفة) البعث والقاعدة، لا تخرجوا.. وكان يخشى، مخفيا قلقه، أن تكون الجمعة وغضبها نسخة طبق الأصل من أيام تونسية ومصرية.صوت آخر مشوش لا يعرف ما يريد، النخبة المثقفة منقسمة مشتتة لا تعرف حضورها، تجهل اي المواقف هي الاسلم و(الاكثر أمانا)، حتى ساعات قليلة قبل نهار الجمعة الاولى كان بالإمكان استشعار راديكالية البعض ونقمهم على (هتك) عراق ما بعد صدام حسين، وآخر يجد نفسه عاجزا عن مسك بوصلة (التحرير) وثيمتها، وآخر يرفض الفكرة جملة وتفصيلا على أساس إحاطته بمبررات أهمها ان تعديل الحال المائل لن يكون بالتظاهر.صوت آخر، كان من اكثر بواعث القلق في ساعات الخميس، (خميس الانتظار والترقب).. الإعلام يتلقف مادة هي الأدسم منذ 2003، الصورة عند بعض الفضائيات تخبرك بان دورية (الرفاق) تتمركز أمام بيتك، وان رؤوسا كانت تحت التراب وجدت ما يخرجها رغم (صخام الوجه)، وهنا كان لخطاب الحكومة فضل كبير في نفخ الروح بجثة هامدة.على النقيض كانت مرئيات أخرى، اشد قربا من الحكومة، تبث العراق من مكان آخر، على الاقل لم يكن هنا في (العراق).. لم تكن تعرف شيئا، او انها تعرف و(تطنش).صحفيون قالوا لي، بعد يومين من جمعة الغضب:"هذه القنوات تركت الفضاء لملكية أثير من يريد الركوب من خارج الحدود".في خطاب المالكي ظهيرة الرابع والعشرين إشارات مختلفة، هنا بدا معترفا بتأثر العراق برياح التغيير:(التطورات الحاصلة بالمنطقة والتحديات التي نواجهها جميعا دعتني لان أتحدث معكم بكل وضوح).وهنا يطمئن الشارع على حقه:(انتم مصدر الشرعية).. لكنه هنا بدأ يقدم مبررات الإخفاق:(الظروف الصعبة التي تتذكرونها جميعا لم تسمح لنا بالشروع في عملية الإصلاح)،لكنه هنا يكرر جملا لا ينكر الشارع انه سئم من سماعها في كل مرة:"تسلمنا البلاد ولم تكن مخدومة بالمياه الصالحة للشرب الى بنسبة 30%).وبينما يعجز العراقيون عن تفسير تأخر حكومتهم في طرد الفاسدين، يقول المالكي هنا:(ملاحقة سارقي قوت العراقيين ستستمر). بيد انه يدخل هنا في صلب الموضوع:(ان الذين يفكرون بعودة البعث السابق لا يريدون لبلدنا الخير). ويفصح أكثر عن هواجسه:(ادعوكم الى عدم المشاركة بتظاهرة الغد).هذه الإشارات المتناقضة أشعلت بغداد بموجة من القلق العارم. لكن هناك، في العراق (الضوئي) المتحرر السابح في فضاء خارج نطاق السيطرة برسم (الانفتاح)، في (الفيسبوك) كان بالامكان شم رائحة الغضب، الخطاب المدون صورا ولوحات وتصاميم وقصائد، كان يفك لك شفرات (التشويش):- أيها العراقيون حجوا الى ساحة التحرير للخلاص من الفاسدين.- لم تريدون إسقاط الحكومة؟.- لسنا ضد العملية السياسية.- لا تخربوا (عراقنا الجديد)- نحن نريد إصلاحه.. ألا ترى الشوائب والخطايا تتدلى من أغصانه.كانت هذه عينة من حوارات في عالم العراقيين على الفيسبوك، ورغم الخلاف والتناحر والتجاذب، لكنه أكثر أمانا، انت في عالم افتراضي تمتلك فيه ان تقترف فعل الحياة، وتعوض نقصه وتشوهه في الواقع المعاش. هذا (الافتراض) كان ينعش آمال الوجود، الشعور بالعراق، الاحساس به. رجال الفيسبوك كانوا يمتدون اكثر الى (عراقهم) فانشغل الجميع بحياكة الشعار و(الهوسة)، ورسم مبرر الاحتجاج واصله على ورق بلون وفكرة:"نريد إصلاح النظام".في مجالس النخبة، تسابق فنانون وصحفيون وباحثون ومشتغلون في غرفة عمليات العراق المدني لاستقبال اليوم التالي. وكانت المادة الاكثر استحواذا على حواراتهم (اعتقاد بدرجة الجزم) من رئيس الحكومة:"من يخرج غدا بعثي او مدفوع، مأجور، من جهات مخربة تقف بالضد من العملية السياسية".الاعتقاد الموسوم بأربعين وثيقة ودليل وبرهان على (شبهة) الاحتجاج، فتح الانقسام بين المثقفين على ساحة اكثر عمقا، كان الاستعراض (الناقد) لمحطات عراق ما بعد 2003 تعج بالاخطاء هو ما انفتح اليه الجدل. والاهم، بحسب خلاصة تجاذباتهم معالجتها، حتى لو ان آخر الدواء الكي:"الاستغناء عن التوافقات ولعبها، الكف عن تزويق المحاصصة بيافطة الشراكة، الجرأة في مسك ياقات الفاسدين لاقتيادهم الى المحاكم، التيقن من ان حرمان الناس من حرياتهم يجعل البلاد تغلي على قدر يطبخ الاستبداد من جديد".هذا (الكي) لا يحرق جوهر العملية السياسية، لكنه يطفئ نيران تكاد تقتله.كان هذا كله في مقهى وعشرات اقداح الشاي استهلكت لبناء هذه اللائحة او اهم ما فيها، لكن الامر المقلق كان الخطاب الحكومي نفسه:"ترى هل سأكون بعثيا يوم غد، هذا حكم السلطة، وبالامكان الاعتماد عليه ليكون صكا على بياض لرجال الكواتم، كيف هذا وانا اشتغل على حماية الدستور، واركض، متلهفا، لأي صندوق انتخابا
بورتريه خارج النص لجواد سليم..ساحة التحرير من الأعلى: الشارع يهدد ميزان القوى
نشر في: 5 مارس, 2011: 07:53 م