المدى/خاص
تشهد الساحة الأمنية في العراق تصاعدًا لافتًا في وتيرة الهجمات التي تستهدف المواقع النفطية في عدد من المناطق، وسط غموض يحيط بالجهات التي تقف خلفها، وغياب أي رد فعل فعلي من الحكومة. هذه التطورات دفعت بعض المراقبين إلى التشكيك في خلفيات هذه الاعتداءات، وطرح تساؤلات بشأن قدرة الدولة على حماية أمنها وسيادتها.
وفي هذا السياق، أكد المحلل السياسي أحمد الحمداني أن الهجمات الأخيرة، سواء في كركوك أو شمال العراق، وخصوصًا تلك التي طالت منشآت نفطية، “ليست سوى سيناريو مُفتعل ومخطط له مسبقًا من جهات ذات مصلحة تحرّك الخيوط من وراء الستار”، على حد تعبيره. واعتبر الحمداني أن “الأزمة مصطنعة وتفضح هشاشة المنظومة الدفاعية العراقية”، مشيرًا إلى أن العراق يفتقر إلى منظومات دفاع جوي متكاملة، ولا يمتلك بنية عسكرية قادرة على حماية أجوائه أو التصدي لأي تهديد خارجي.
وأضاف الحمداني، في حديثه لـ(المدى)، أن “موقف الحكومة العراقية تجاه هذه الهجمات ضعيف وخجول، لأنها على دراية تامة بأن أجواء البلاد مستباحة من قبل طائرات مسيرة ومقاتلات حربية، سواء كانت إسرائيلية أو إيرانية أو تركية، دون أن تملك القدرة أو الإرادة على التصدي لها”. وأشار إلى أن الحكومة لم تنجح في منع أي هجوم، سواء كان صاروخيًا أو جويًا، وسط غياب شبه كامل لأي رد رسمي أو تحرك فعلي، في وقت تتواصل فيه انتهاكات السيادة العراقية بشكل صارخ.
وأوضح أن هذا الواقع يكشف عن “ضياع القرار العراقي”، في ظل عدم وجود أي مخرجات سياسية أو أمنية فعالة للتعامل مع هذه التحديات. كما لفت إلى أن “هوية الجهات التي نفذت القصف لا تزال مجهولة”، ما يعمّق من حالة الغموض ويثير أسئلة بشأن ما إذا كانت تلك الطائرات انطلقت من داخل إقليم كردستان أو كانت تابعة لجماعات مسلحة أو أطراف دولية مثل إسرائيل أو إيران.
وأكد الحمداني أن “الأجواء السياسية في العراق تعاني من فوضى عارمة، ولا تُنتج قرارات أو حلولًا جذرية”، مشددًا على أن “السيادة تبدأ من السيطرة الاقتصادية”، وأن “أي دولة لا تملك قرارها الاقتصادي، لا يمكنها أن تمتلك سيادتها الكاملة”. وبحسب رأيه، فإن الاقتصاد العراقي اليوم “ليس بيد الدولة، بل هو تحت هيمنة الأحزاب السياسية وصندوق النقد الدولي”، ما يجعل البلاد “ناقصة السيادة سياسيًا واقتصاديًا”.
وقارن الحمداني وضع العراق بواقع أسرة لا يمتلك ربّها المال، قائلاً: “من يملك أدوات الاقتصاد هو من يملك القرار، سواء داخل العائلة أو الدولة”. وأضاف أن العراق اليوم “بلد مهمش، أجواؤه مكشوفة ومباحة للطائرات من دون ردع أو حماية”، مبيّنًا أنه “لا توجد لدى العراق منظومات دفاع جوي قادرة على الرد، ولا حتى القدرة على شراء مثل هذه المنظومات”.
وتابع الحمداني أن “الحكومة العراقية، حتى وإن رغبت بشراء منظومات دفاع جوي، فإنها لا تستطيع، لأن هذا القرار يخضع لسلطة الولايات المتحدة، التي تضع فيتو على أي محاولة عراقية لبناء قدرات دفاعية حقيقية”، مشيرًا إلى أن “الارتباط القائم بين الاقتصاد والسياسة في العراق من جهة، والإرادة الأمريكية من جهة أخرى، هو ما يبقي البلاد عرضة للتدخلات والانتهاكات الخارجية”.
وختم بالقول إن “رئيس الوزراء نفسه قد لا يعرف تفاصيل الهجمات الأخيرة، ما يعكس حجم التشتت والقصور في أداء مؤسسات الدولة”، داعيًا إلى مراجعة جذرية لبنية القرار السياسي والأمني في العراق، والانطلاق من مبدأ امتلاك القرار السيادي الحقيقي كشرط لبناء دولة قوية ومحصّنة.










