ترجمة: عدوية الهلالي
في فيلم "النزوح الكبير" للمخرج جان باسكال زادي، يؤدي الممثل الفرنسي الجزائري رضا كاتب دور عالم مسلم يبحث عن الروحانية خارج حدود الأرض وهي شخصية لم نعتد رؤيتها على الشاشة في الأفلام الكوميدية الشعبية.
رضا كاتب،هوابن الممثل المسرحي مالك الدين كاتب وحفيد شقيق الشاعر المتمرد كاتب ياسين، ينتمي إلى جيل من المثقفين الذين فروا من العقد الأسود في الجزائر. ويؤدي كاتب دور عالم مسلم في فيلم جان باسكال زادي الجديد، وهو رحلة فضائية أفريقية، وفي حوار أجرته معه مجلة "جون أفريك" تحدث عن ظاهرة الإسلاموفوبيا السائدة في فرنسا، والعلاقات المتوترة بين باريس والجزائر، وعودته إلى جذوره.
من خلال شخصيتك، تشمل الرؤية الأفريقية الشاملة التي يدافع عنها فيلم "النزوح الكبير" شمال أفريقيا مع بقية القارة. وهذا نادرٌ جدًا؟
-لوقتٍ طويل، كانت هناك محاولةٌ مُتعمَّدةٌ لفصل المغرب العربي عن طبيعته الأفريقية. قال عمي الجزائري، كاتب ياسين، في إحدى مقابلاته الصحفية: "يجب أن نُسمّي أنفسنا أفارقة، فنحن أفارقة". لأن الثقافات الجزائرية والبربرية والأمازيغية التقليدية، قبل أسلمة المغرب العربي، كانت أقرب بكثير إلى الثقافات المالية والسنغالية منها إلى ثقافات المملكة العربية السعودية ودول الشرق الأوسط. كنتُ شغوفًا جدًا بموسيقى الكناوة، وهي موسيقى العبيد الذين استُوردوا من أفريقيا جنوب الصحراء على يد العرب الذين أُسلموا قسرًا. في الواقع، أعزف هذه الموسيقى في الفيلم، مع أفاعي جرسية تُحاكي صوت سلاسل العبيد. أجد أن لهذه الموسيقى معنىً عميقًا.
وُلد كاتب ياسين في عهد الاستعمار الفرنسي للجزائر. شارك في مسيرة 8 مايو 1945، وشهد مذبحة سطيف. ما الذي أخبرك به عن هذه المرحلة من التاريخ؟
-لم أعرفه إلا من خلال أعماله والقصص التي روتها عائلتي عنه. لكن والدي، الممثل الذي درس المسرح خلال حرب الجزائر ثم انضم إلى أول فرقة للمسرح الوطني الجزائري، نقل إليّ هذه القصة، وأشعر تمامًا أنني وريث هذه الشعوب المستعمرة. استطاعت عائلتي أن تتحرر، جزئيًا، من خلال الكلمة والمعرفة. لقد أذهلني كاتب ياسين عندما اكتشفت أنه من خلال دراسة الثورة الفرنسية وما يُسمى بفرنسا التنويرية، أدرك الجزائريون أنهم أيضًا قادرون على أن يكونوا أحرارًا وأن يتمتعوا بحقوق متساوية.
أقرّت الحكومة الفرنسية باغتيال الجيش الفرنسي للعربي بن مهيدي، أحد رموز جبهة التحرير الوطني.ويرى البعض أنه استغلال سياسي وسط تحديات دبلوماسية منذ اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. ما موقفكم؟
-تنتهج فرنسا سياسة دولية براغماتية للدفاع عن مصالحها.. أعتقد أن هناك رغبة في جذب انتباه أبناء المهاجرين من خلال تقديم شكل من أشكال الاعتراف بما قد يكون عانى منه أسلافهم. كما هو الحال عندما أقرّ ماكرون بأن الاستعمار جريمة ضد الإنسانية خلال زيارته إلى الجزائر قبل الانتخابات الرئاسية، بينما كان سياسيون آخرون في الوقت نفسه يُطالبون باستعادة الصورة الحضارية للاستعمار.أنا أجد لفتة ماكرون مؤثرة سياسياً. لكنني كنت أتمنى لو أن بقية هذه السياسة سارت في هذا الاتجاه، بدلاً من الانتهازية واللعب على وتر الضجيج. تعترف فرنسا بجريمة ضد الإنسانية، ولكن ذلك لأسباب دبلوماسية واستراتيجية أيضاً. لذلك، من الصعب جداً الوثوق بكلام القادة السياسيين. أفضل أن أكون في صف الشعب.
كيف ترى النقاش حول الإسلاموفوبيا في فرنسا، واثارة الخلافات داخل الطبقة السياسية؟
-هذه اللعبة الخطيرة تُثير المجتمعات ضد بعضها البعض. هناك معارك حول كلمتي "معادٍ للإسلام" أو "عنصري"، لكنني أعتقد أن كلمة "عنصري" هي التي يمكن أن تجمع الجميع. اليوم، لا يكبح تطبيع العنصرية بين السياسيين ووسائل الإعلام الأقوال والأفعال العنصرية. هذا التطبيع يسمح بمزيد من الأفعال. يمكننا أن نكون متفرجين مذهولين، ولكن يمكننا أيضًا أن نكون ممثلين، ويزداد ذلك عندما نملك وسائل التعبير عن أنفسنا.
نشهد نقطة تحول في السرديات المعروضة على الشاشة حول ماضي فرنسا الاستعماري، وصعودًا في الأفكار اليمينية المتطرفة. كيف تفسر هذه المفارقة؟
-أتمنى لو كان الاهتمام بأفلام مثل "فانون" لجان كلود بارني بنفس حجم الاهتمام الإعلامي الذي يروج لهذه الأفكار اليمينية المتطرفة. يلوّح الناس بشعارات أكثر من فرص النقاش، مما يعيق قدرتنا على العيش معًا. إن ثنائية الاستقطاب الفكري تعيق تعقيده وتمنعنا من الإنصات للآخرين. يزداد صعوبة إجراء نقاشات حقيقية، ويزداد الأمر صعوبة مع من نختلف معهم. وفي عصرٍ يحكم فيه السيف على الكلمات، سأختار الكلمات دائمًا.
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠٢٧، هل أنت قلق بشأن تأثير حزب التجمع الوطني (RN) على الإبداع في حال فوز مرشحه؟
-في أي سياق، تحدث أمور، حتى تلك التي تُثير الفتنة. أفكر قبل كل شيء في الضرر الحقيقي الذي قد يُلحقه صعود التجمع الوطني إلى السلطة بحياة الناس، قبل أن أفكر في الامتياز الهائل المتمثل في العيش من خلال سرد القصص.السينما نموذج اقتصادي قابل للتطبيق.فإلى جانب الأيديولوجيات، هناك جمهورٌ لأشياء كثيرة مختلفة. الأمر يختلف في العروض الحية. يتبنى مخرجو المسرح استراتيجياتٍ ويستقيلون قبل نهاية فتراتهم، كما فعل وجدي معوض في مسرح كولين، حتى يتم تعيين شخصٍ ما الآن ليحافظ على منصبه لعشر سنوات ويتجنب الوصول إلى الوضع في الولايات المتحدة، حيث أغلق ترامب وإدارته مركز كينيدي بالكامل. لذا، يُسعى إلى ضماناتٍ لإنقاذ الأمور، لأن الثقافة تبقى خيرنا المشترك.
هل بدأت أفريقيا تُصبح منصةً لتصوير الشتات؟
-عندما كنا نصوّر في كوت ديفوار، لمستُ عاطفة جان باسكال زادي وهو يُخرج فيلمه في بلد والده. وشعرتُ بنفس العاطفة عندما صوّرت فيلم "عمر الفريس" لإلياس بلخدار في الجزائر، البلد الذي قضيتُ فيه إجازتي حتى أواخر الثمانينيات. كان والدي أحد الفنانين الذين استهدفتهم التهديدات الإرهابية. توفي عام 2000، وعندما عدتُ إلى الجزائر بعد عامين تقريبًا، قضيتُ ثلاثة أشهر في التصوير هناك. في الجزائر، توافد عليّ الكثير من الناس ليطلبوا صورًا ويتحدثوا عن الأفلام التي شاركتُ فيها.
كان شعورًا قويًا للغاية أن أدرك أنني أستطيع العودة إلى البلد الذي تركه والدي لأحظى بمستقبل أفضل وأجد الترحيب دون أي لبس من قبل الجزائريين. لدى الشتات هذه الفرصة للعودة إلى جذوره دون أن يمنع نفسه من أي رحلة. أما بالنسبة لوالدينا، فكانت العودة أصعب وأكثر إرهاقًا. علاوة على ذلك، من المثير للاهتمام أن نبيّن أن العودة إلى الجذور لا تقتصر على الجانب الديني، بل يمكن أن تتم بطرق متعددة. لا داعي للشعور بالحرج من امتلاك أصول وواقع قائم، ألا وهو جنسيتنا الفرنسية.
رضا كاتب: لا داعي للخجل من أصولنا وجنسيتنا الفرنسية في آنٍ واحد

نشر في: 17 يوليو, 2025: 12:02 ص









