متابعة / المدى
تواجه طائفة الصابئة المندائيين في العراق تحديات متزايدة نتيجة جفاف بعض روافد نهري دجلة والفرات، ما دفع العديد من أبنائها إلى الهجرة داخليًا وخارجيًا، لا سيما أن الماء الجاري يمثل محورًا أساسيًا في عقيدتهم، وترتبط به طقوسهم الدينية، وفي مقدمتها الزواج الذي لا يُعد مكتملاً دون مراسيم «الصباغة». وتؤكد الشابة مروة، إحدى أبناء الطائفة، في حديثها لـموقع DW أنها لم تتمكن من إتمام مراسيم تعميد الزواج بسبب ارتفاع منسوب نهر دجلة الذي غمر مكان الطقوس في منطقة القادسية جنوب غرب بغداد، ثم بسبب عاصفة ترابية حجبت معالم النهر.
وقالت مروة: «نقوم أولًا بعقد القران قانونيًا، ثم نحدد موعد حفلة الزفاف التي تسبق طقس الصباغة بيوم واحد، وتُقام يوم السبت، لأن مراسيم الصباغة تجري أيام الأحد. نرتدي حينها ملابس دينية تُعرف بـ (الراستا)، وهي بسيطة وبيضاء وخالية من الزخارف».
وأشارت إلى أن تأجيل طقوس الصباغة يعرقل حياة الزوجين المستقبلية، لأن الزواج لا يُعد مكتملاً دونها.
المناخ يهدد طقوس الطائفة
يقول الشيخ ستار جبار الحلو، رئيس ديانة الصابئة المندائيين في العراق والعالم، إن الطائفة اضطرت إلى مغادرة أماكنها التقليدية للعبادة بسبب تراجع مناسيب المياه. وأوضح أن نهر «الخر» الذي كان يصب في دجلة، كان يمر خلف مندي الطائفة في الجادرية ببغداد، لكنه طُمر في عام 2002، رغم أن تاريخه يعود إلى العهد العباسي.
وأضاف أن الطقوس التي تُمارس في المندي، مثل الصباغة (تعميد الولادات والزيجات)، والرشامة (الاغتسال من أجل الطهارة)، تتطلب وجود ماء جارٍ ونظيف. وأشار إلى أن الطقوس تُقام أحيانًا في ظروف مناخية معقدة، مثل العواصف أو الفيضانات، ما يعيق أداءها.
وتابع الحلو أن بعض الطقوس، مثل «المسقفة»، تُجرى للأحياء والأموات وتحتاج إلى ساعات طويلة من الاغتسال المتواصل، وبالتالي تتطلب أجواء دافئة ومستقرة. في محافظة البصرة، يؤكد الناشط المندائي أحمد الكلمشي أن ارتفاع نسب الملوحة والتلوث في شط العرب جعل من المستحيل إقامة طقوس التعميد. وقال: «حسب آخر حديث مع رئيس مجلس شؤون الصابئة في البصرة، تم تعليق هذه الطقوس التي كانت تُقام أسبوعيًا».
وأشار الكلمشي إلى أن التغيرات المناخية تسببت في جفاف مناطق الأهوار، وأدت إلى تدهور الثروات الحيوانية والنباتية، ما دفع المندائيين العاملين في الزراعة وتربية الجاموس وصيد السمك إلى مغادرة مناطقهم بحثًا عن المياه والعمل.
وتحاول بعض بيوت العبادة تجاوز هذه الأزمة من خلال إنشاء أحواض داخلية تُملأ بمياه من دجلة أو الفرات عبر خراطيم، في مسعى لإقامة الطقوس دون تأجيل، وإن كان ذلك لا يعوّض عن فقدان المياه الجارية الطبيعية التي تشكل جوهر الطقوس.










