اربيل / سوزان طاهر
مع استمرار الأزمة المالية وتأخر صرف رواتب الموظفين في إقليم كردستان، تشهد مدن الإقليم انتشاراً واسعاً لأسواق “البالة”، وسط إقبال كبير من المواطنين عليها.
وفي أزقة ضيقة داخل أسواق السليمانية وأربيل ودهوك، وعلى أرصفة الطرق، تنتشر محلات “البالة” أو الملابس المستعملة التي تشهد مؤخرًا رواجًا لافتًا، جعلها محط اهتمام شرائح اجتماعية متعددة من محدودي الدخل إلى الشباب الباحثين عن “ستايل” أوروبي بسعر زهيد.
في قلب مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، يشهد سوق “البالة” إقبالاً متزايداً، خاصة أيام الجمع، حيث يتحول إلى مقصد مفضّل للباحثين عن الملابس والأحذية والإكسسوارات المستعملة ذات الجودة العالية والأسعار المناسبة.
رخص الأسعار
ويقول المواطن هيوا عادل، وهو أحد الزبائن في سوق “البالة” وسط السليمانية، إنّ الإقبال على السوق وشراء الملابس المستعملة يعودان إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة وعدم صرف رواتب الموظفين.
وأضاف خلال حديثه لـ”المدى” أنّ سوق “البالة” لم يقتصر على الملابس، فهناك أجهزة كهربائية ومنزلية وإنشائية وأجهزة إلكترونية مستخدمة لها أسواق خاصة، والإقبال كبير عليها بسبب رخصها وجودتها، خاصة ذات النوع الأوروبي.
وتجذب أسواق “البالة” الآلاف من الزوار من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية، بحثاً عن قطع مميزة بأسعار تنافسية.
ويعد السوق فرصة للبعض لتوفير المال، بينما يراه الآخرون مكاناً للعثور على ملابس نادرة وماركات عالمية بأسعار زهيدة.
لا تحتاج إلى رأس مال كبير
ويقول ريبر كريم، وهو صاحب محل لبيع “البالة” الأوروبية، إنّ هذه الأسواق انتعشت خلال العامين الأخيرين مع استمرار الأزمة المالية الخانقة التي يعيشها الإقليم وتراجع فرص العمل.
وأوضح خلال حديثه لـ”المدى” أنّ أغلب الشباب الذين لا يجدون فرص العمل في الإقليم يقومون بفتح محل للملابس والأجهزة المستعملة والإلكترونية، كون هذا العمل لا يحتاج إلى رأس مال كبير، والأغلبية يقومون بفتح المحلات في المناطق والأحياء السكنية بسبب رخص أسعار الإيجارات مقارنةً بالشوارع التجارية. وأشار إلى أنّ أكثر اعتمادهم حالياً على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لبضاعتهم، وهناك إقبال كبير بسبب عدم صرف الرواتب، وأكثر النساء يلجأن إلى محلات “البالة” لشراء ما يحتاجونه.
ولفت إلى أنّ أسواق “البالة” لم تعد تقتصر على الفقراء ومحدودي الدخل، بل حتى الأغنياء ومن يمتلكون المال يتجولون في محلات وأسواق “البالة” بحثاً عن الأشياء الفريدة وذات الجودة العالية وبخاصة الأحذية أو بعض الأجهزة الإلكترونية.
ويؤكد مرتادو السوق أن “البالة” ليست مجرد خيار موسمي، بل هي وجهة ثابتة طوال العام، خاصة في فصل الشتاء وموسم الأعياد والمناسبات، حيث يبحث الناس عن الملابس بأسعار معقولة.
الاستيراد الأوروبي
من جانب آخر يرى الخبير الاقتصادي هردي سلام أنّ زيادة الإقبال على سوق “البالة” له عدة أسباب، أهمها الحالة الاقتصادية الصعبة وارتفاع معدلات البطالة وقلة فرص العمل في القطاع الخاص.
وذكر في حديثه لـ”المدى” أنّه قبل الأزمة المالية كان شراء الملابس أمراً عادياً، ولكن المواطن اليوم لا يستطيع شراء قميص بمبلغ 30 ألف دينار، ويستطيع بهذا المبلغ شراء 3 أو 4 قطع من “البالة”.
وتابع أنّه مع ارتفاع سعر صرف الدولار والأزمات المتوالية التي تعيشها دول الشرق الأوسط تضاعفت أسعار الملابس الجديدة، خاصة تلك المستوردة من تركيا أو الصين، ما جعل الأسر تتجه نحو بديل أكثر توفيرًا، لا سيما مع أزمة الرواتب.
وأردف أنّ أغلب محلات “البالة” تستورد شحنات كبيرة من أوروبا، وخصوصًا ألمانيا وبلجيكا وهولندا، وتصل غالباً إلى الموانئ التركية ومنها إلى كردستان عبر التجار، وبالتالي يكون سعرها أقل من باقي المحافظات العراقية.
ولا تزال هناك مخاوف صحية من شراء الملابس المستعملة، لكن مع ازدياد الوعي أصبح الغالبية يقومون بغسل وتعقيم الملابس جيدًا قبل بيعها أو استخدامها.
وكانت وزارة الصحة في إقليم كردستان قد أصدرت عدة توصيات بالتعقيم وفرضت رقابة شديدة على هذه المحلات، لكن هناك شكاوى من عدم الالتزام بتلك الإجراءات بشكل كامل. وقد تعرضت أسواق “البالة” في أربيل والسليمانية في وقت سابق لحرائق كبيرة أدت إلى اندلاع النيران في مئات المحلات قبل أن تعود للعمل بعد تعويضهم من قبل حكومة إقليم كردستان.
وكانت وزيرة المالية طيف سامي أرسلت مطلع حزيران يونيو الماضي كتابًا رسميًا إلى حكومة إقليم كردستان أبلغتها فيه بتعذّر استمرار الوزارة في تمويل الإقليم، حيث أرجعت الوزارة ذلك إلى تجاوز كردستان للحصة المقررة له ضمن قانون الموازنة الاتحادية والبالغة 67.12%.
ولا تزال أزمة الرواتب في إقليم كردستان العراق تُلقي بظلالها الثقيلة على نحو مليون موظف ينتظرون شهرياً وصول مستحقاتهم في مواعيد غير منتظمة وسط حالة من الترقب والتوتر العام.










