متابعة المدى
رغم إعلان الولايات المتحدة على لسان رئيسها دونالد ترامب إعطاء روسيا مهلة 50 يومًا للموافقة على وقف إطلاق النار في أوكرانيا، مع فرض الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات جديدة تشمل خفض سعر النفط الروسي إلى 47.60 دولارًا للبرميل، ومنع سفن روسية من دخول موانئه، ومحاولات من السيناتور الأميركي، ليندسي غراهام، الدفع بقانون جديد يفرض رسومًا جمركية تصل إلى 500% على الدول التي تستورد النفط الروسي، إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى أن روسيا تواصل التقدّم في عملياتها العسكرية وهجماتها الجوية المكثفة، في وقت شكك فيه خبراء في قدرة العقوبات على إجبار روسيا على وقف الحرب.
وخلال خمسة أشهرٍ من الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لفرض وقف إطلاق النار، واصلت روسيا شنّ هجماتها وقصفها الجوي لأوكرانيا.
وبالنسبة لقيادة روسيا، فإنّ إنذار ترامب البالغ 50 يومًا لا يغيّر شيئًا، فقد واصل الكرملين حربه دون توقّف. وكان هذا واضحًا من خلال تصريحات المسؤولين الروس رفيعي المستوى يوم الثلاثاء، أي بعد يوم واحد من تصريحات ترامب بجانب الأمين العام للناتو، مارك روته.
وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، زعم أنّ ترامب يتعرّض لضغوط من دول الناتو والاتحاد الأوروبي لمواصلة دعم أوكرانيا، وبدا أن لافروف يستهزئ أيضًا بإنذار ترامب، وقال: «نود أن نفهم ما وراء هذا التصريح عن 50 يومًا. كان من قبلُ 24 ساعة، ثم أصبح 100 يوم. مررنا بكل هذا سابقًا».
ورغم لهجته، كان لديه وجهة نظر، فقد صدرت إنذارات مماثلة من الولايات المتحدة من قبل، ثم تم التغاضي عنها سريعًا.
في أيار، قالت واشنطن إنها ستتخلى عن العملية إذا لم توافق كلٌّ من روسيا وأوكرانيا على وقف إطلاق النار خلال أسبوع. وفي ذات الوقت تقريبًا، أصدرت فرنسا، وألمانيا، وبولندا، والمملكة المتحدة إنذارًا مدته 48 ساعة لروسيا للانضمام إلى طاولة المفاوضات، أو مواجهة عقوبات.
لكن بوتين تفوّق على الأميركيين والأوروبيين، ودعا إلى محادثات مباشرة مع أوكرانيا، وهو ما رحّب به ترامب، وقد عُقدت جولتان من المحادثات المتوسطة المستوى بين وفدي روسيا وأوكرانيا في إسطنبول، لكنها كانت رمزية فقط، واستخدمتها روسيا كمنصة لعرض مطالبها المتشددة لإنهاء الحرب، لذا، فليس من المستغرب أن تتجاهل روسيا هذا الإنذار الجديد أيضًا.
قال فيتولد رودكيفيتش، خبير السياسة الخارجية الروسية في مركز الدراسات الشرقية في وارسو: «أظنّ أن الروس لا يعتقدون أن شيئًا سيحدث بعد 50 يومًا. إنهم يرون أن إدارة ترامب منقسمة بشأن كيفية التصرف»، وأضاف "أن هذا الموعد النهائي أكّد اعتقاد موسكو بأنّ ترامب «يحاول تجنّب المواجهة مع روسيا».
موسكو تواصل الحرب، وأوكرانيا تعزّز دفاعاتها
رغم أن بوتين لم يعلّق علنًا، إلا أن مصادر مقرّبة من الكرملين أبلغت وكالة رويترز أن الرئيس الروسي سيواصل العملية العسكرية الخاصة ولن يخضعَ للضغوط الغربية.
مع ذلك، فإن تزويد أوكرانيا بالمزيد من أنظمة باتريوت يمثّل دفعة كبيرة لقدراتها الدفاعية، وكان المسؤولون الأوكرانيون قد طلبوا ما لا يقلُّ عن عشر بطاريات جديدة، لكنهم سيحصلون الآن على ما يصل إلى 17 بطارية، مما يرفع عدد المنظومات الكلي إلى 25، ولكن استخدام الباتريوت هو إجراء دفاعي قصير المدى، ولا يمنع روسيا من شنّ ضربات جوية على أوكرانيا.
العقوبات الاقتصادية .. هل تكفي؟
بينما منحت الولايات المتحدة روسيا 50 يومًا، فرض الاتحاد الأوروبي أمس حزمة العقوبات الأقصى منذ بداية الحرب. شملت هذه الحزمة خفض سقف أسعار النفط الروسي من 60 إلى 47.60 دولارًا للبرميل، ومنع أكثر من 100 سفينة من «أسطول الظل» الروسي من الرسوّ في موانئ الاتحاد.
وقد وصف الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، العقوبات بأنها «أساسية وفي وقتها».
وقال ديميتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق، إن روسيا ستتحمل هذه العقوبات وستكثف هجماتها على ما وصفه بـ«أوكرانيا المزعومة».
ولذلك، من غير المرجّح أن تنجح العقوبات الأوروبية وحدها في إنهاء الحرب. وللاقتراب من هذا الهدف، يجب على الولايات المتحدة تنفيذ تهديداتها بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الدول التي تتاجر مع روسيا. وهو مشروع يعمل عليه السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، ويحظى بدعم 85 سيناتورًا. وإذا تم تمريره، فسيمنحُ الرئيسَ سلطةً فرض رسوم جمركية بنسبة 500% على الدول التي تستورد النفط والغاز الروسي.
من جانب آخر، يشكّك العديد من الخبراء في فعالية هذه العقوبات. ومن غير المرجّح أيضًا أن تُجبر العقوبات الأوروبية الجديدة موسكو على وقف إطلاق النار. وقال رودكيفيتش خبير السياسة الخارجية الروسية في مركز الدراسات الشرقية في وارسو، إنّ الحل الوحيد لإنهاء الحرب يكمن في تراجع الجيش الروسي ميدانيًا، ولكن لم يطرأ أيّ تغيير على الهجمات البرّية الروسية هذا الأسبوع.
فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قواتها سيطرت على عدّة مناطق في خط المواجهة، بما في ذلك منطقة زابوروجيا الجنوبية. واستمرت الحرب الجوية أيضًا: ففي الساعات الأولى من صباح الأربعاء، أطلقت روسيا 400 طائرة مسيّرة باتجاه شرقِ، وجنوبِ، ووسطِ أوكرانيا، بالإضافة إلى صاروخ باليستي واحد.
ولا تزال روسيا تعلن استعدادها لمحادثات مباشرة، فيما أكّد وزير الخارجية الأوكراني، أندريي سيبيها، هذا الأسبوع أن كييف مستعدة لذلك أيضًا، ما يعني أن أي جولة جديدة في إسطنبول ستقتصر على تبادل الأسرى فقط.
ويبدو أن إنذار ترامب البالغ 50 يومًا سيُختَبَرُ حتى آخر لحظة، فيما تبدو روسيا مستعدّة لاختبار مدى جدية إدارة ترامب في تنفيذ تهديداتها.
عن وكالات عالمية










