TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > صناعة الملح في المثنى .. ثروة منسية وسط معوقات التسويق

صناعة الملح في المثنى .. ثروة منسية وسط معوقات التسويق

مواقع إنتاج تقليدية تواجه الإهمال

نشر في: 22 يوليو, 2025: 12:05 ص

 بغداد / كريم ستار

على أطراف مدينة السماوة وفي مناطق متفرقة من محافظة المثنى، تنتشر واحدة من أقدم الصناعات التقليدية في العراق: صناعة الملح، ورغم أن هذه الثروة الطبيعية تمثل جزءاً من الهوية الاقتصادية للمنطقة، إلا أنها لا تزال تعاني من تهميش رسمي وشح في الاستثمارات، إلى جانب ضعف الدعم الحكومي ومعوقات التسويق، ما يجعلها مثالاً واضحاً لهدر الموارد المحلية.

منذ عقود، تعتمد محافظة المثنى على استخراج الملح من مواقع واسعة في بادية السماوة، أبرزها مناطق المملحة والوركاء والسلمان، وتنتج هذه المواقع كميات كبيرة من الملح الطبيعي عبر برك مائية واسعة، تُستخرج منها المادة الخام بعد تبخر المياه بطرق بدائية تعتمد على أشعة الشمس وحرارة الجو.
عبد الله حسن (55 عاماً)، وهو من أقدم العاملين في هذه المهنة، يقول إنه يعمل في المملحة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، مؤكداً أن الملح يُستخرج بشكل طبيعي ونقي، دون الحاجة إلى عمليات كيميائية معقدة، لكنه يشير إلى أن «هذه النعمة لا تجد من يستثمرها»، موضحاً أن العمال يباشرون الحفر والنقل والتجفيف يدوياً وتحت حرارة الشمس، ثم يُباع المنتج بأسعار متدنية لا تغطي كلفته، في ظل غياب معامل التغليف وشركات الشراء والدعم الرسمي.

ضعف البنى التحتية
رغم أن التقديرات غير الرسمية تشير إلى أن ممالح السماوة تنتج آلاف الأطنان من الملح سنوياً، فإن ذلك لا ينعكس على السوق المحلية ولا يُترجم إلى قيمة اقتصادية ملموسة، ويُعزى هذا الوضع إلى ضعف البنى التحتية، وغياب شبكات التسويق الحديثة، إلى جانب هيمنة المنتج المستورد الأرخص ثمناً، لا سيما الإيراني والتركي.
المهندس علي جواد من دائرة الصناعة والمعادن في المثنى أوضح أن الملح المنتج محلياً يتمتع بنسبة نقاء تفوق 98%، ويصلح للاستخدامات الغذائية والصناعية والزراعية، لكنه أشار إلى أن ضعف التنظيم والتسويق، وعدم توفر معامل التعبئة الحديثة، يحول دون استثمار هذا المنتج بالشكل الأمثل.
من جهته، يقول جاسم الكعبي (42 عاماً)، وهو يعمل في نقل الملح، إن الإنتاج المحلي وفير، لكن غياب جهات الشراء يدفع بالكثير من العاملين إلى تخزين الإنتاج لفترات طويلة أو بيعه بأقل من كلفته، مضيفاً أن وسائل النقل بدائية، والطرق المؤدية إلى مواقع الإنتاج غير معبّدة، والشاحنات قديمة ومتهالكة، ما يزيد من كلفة التشغيل ويقلص الأرباح.

مطالبات بتدخل حكومي
رغم سهولة استخراج الملح ووفرة الإنتاج، تواجه المهنة جملة من التحديات، أبرزها غياب خطط الدعم الحكومي، وعدم وجود استثمارات خاصة أو شركات تسويق تهتم بترويج المنتج، وضعف البنية التحتية الطرقية، وسيطرة المستورد، إضافة إلى انعدام التمويل للمشاريع الصغيرة.
سعد محسن (28 عاماً)، أحد العاملين في جمع وتكديس الملح، وصف العمل بالشاق، مؤكداً أن العمال يبدأون قبل شروق الشمس ويتوقفون عند الغروب، من دون تأمين صحي أو ضمان اجتماعي، ويُعاملون كما لو أنهم يعملون في قطاع غير معترف به رسمياً.
في المقابل، يطالب خبراء الاقتصاد وأبناء المحافظة بإعادة النظر في السياسات الحكومية تجاه الموارد المحلية، وعلى رأسها صناعة الملح. ويدعو الخبير الاقتصادي محسن الحياوي إلى إدراج ممالح السماوة ضمن الخطط التنموية، وربطها بجهات تسويقية وشركات وطنية، معتبراً أنه «من غير المعقول أن يستورد العراق الملح بينما يمتلك هذا الكم من الموارد المحلية».
ويؤكد الحياوي أن المطلوب هو «توفير غطاء حكومي داعم وخطط جادة لتنشيط هذه الصناعة».
وبينما يواصل العاملون في الممالح كفاحهم اليومي وسط الإهمال، تبقى صناعة الملح في المثنى شاهداً حياً على سوء إدارة الموارد الطبيعية في البلاد، وثروة تنتظر استثماراً وطنياً ينهض بها من التهميش إلى دائرة التنمية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram