TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: "طرطوف" صناعة عراقية

العمود الثامن: "طرطوف" صناعة عراقية

نشر في: 23 يوليو, 2025: 12:42 ص

 علي حسين

على مدى تاريخ الفكر كان هناك عدد من المبدعين وارباب الثقافة من الذين ساعدوا شعوبهم على النهوض من حالات التخلف، والنهوض بهم نحو المستقبل، وكان صاحب البخيل ومريض بالوهم وطرطوف واحدا منهم، حيث دلنا من خلال اعماله االمسرحية على الطرق المؤدية الى كشف الزيف والتوجه نحو المستقبل، وان التاريخ ليس صراعاً بين الطوائف، وانما رحلة للتضامن البشري.
الكاتب الفرنسي الشهير موليير الذي أمضى حياته منصرفاً إلى توعية الناس، وبعث السعادة والبهجة بينهم، كان حاداً وجريئاً في نقده للعادات الاجتماعية السائدة، وفي واحدة من مسرحياته الشهيرة التي قدمها بعنوان "طرطوف" يرسم لنا شخصية رجل فاسد، يتخذ من الدين وسيلة لإشباع شهواته وهو يتظاهر بالتقوى.. وقد تحولت "هذه المسرحية" إلى واحدة من كلاسيكيات الأدب العالمي، حتى صارت كلمة "طرطوف"، تستعمل للإشارة إلى رجل الدين المنافق. والسؤال هنا ونحن نتحدث عن طرطوف المسيو موليير: كم "طرطوف" يعيش في مؤسسات الدولة وفي المتاجر والاسواق، وكم "طرطوف" يتظاهر بالتقوى، لكنه يغش ويسرق؟.
في مؤسساتنا الحكومية تتكرر عبارة "معاملتك يم الحجي"، ما أن يقودك حظك العاثر لمراجعة دائرة حكومية حتى تجد أن جميع المدراء حجاج، حتى يخيل إليك أننا نعيش في الدولة الأكثر تدينا، وعلامات التديّن عندنا معروفة وواضحة، وهي باقة جميلة من مواسم خروج السرّاق من قماقمهم، مواسم التزوير، ومواسم حصولنا على الأرقام القياسية في عدد عصابات الفرهود، ومواسم حرق المستشفيات والمولات، ومواسم انتعاش الرشوة، ونهب ثروات البلد.
أتخيل العراقيين وهم يعربون عن الامتنان الشديد لدوائر الدولة التي تضم كل هذا العدد الكبير من الحجاج، ليس فقط على اعتبارهم أكثر الشعوب تدينا، بل على تذكيرهم بهذا الأمر، فقد كادوا ينسون وسط الانتصارات الكبرى التي تحققت في مجال الخدمات والإعمار والتنمية والعدالة الاجتماعية، مسؤولينا بفضل وورعهم استطاعوا أن ينقلوا هذه الدولة التي كانت تعيش على هامش التاريخ، لتصبح اليوم البلاد الأفضل في العالم.
"حجّاج" لم يناقشوا ما فعلوه منذ "22" عاما، لم يفكروا إلا بغريزة البقاء التي تعني بالنسبة لهم البحث عن عدو، والعدو من يقف ضد شهوتهم للسلطة واتهامه بالتهمة الجاهزة: إنهم كفار لا يريدون دولة تحكم بشرع الله، ولهذا نجدهم لا يقولون شيئا عن الفساد وعصابات النهب المنظم سوى كلمة واحدة، إن كل ما يحدث من خراب في العراق سببه المؤامرة على الفضيلة والأخلاق.
الناس تجد نفسها اليوم تعيش في ظل "طراطيف" متشددين يغضبون لأن نادياً اجتماعياً فتح أبوابه، أو أن امرأة سافرة تسير في الشارع، لكنهم لا يجدون غضاضة في استغلال فقر النساء، وشراء إرادة الناس في الانتخابات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram