TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > عباسيون وفاطميون.. وبينهما الدُّروز!

عباسيون وفاطميون.. وبينهما الدُّروز!

نشر في: 24 يوليو, 2025: 12:03 ص

رشيد الخيّون

برز اسم طائفة الدُّروز، أو الموحدين، أو بني معروف، بقوة هذه الأيام، بما يُقدم مِن على الشّاشات مدحاً وقدحاً، لِما حصل بالسُّويداء السُّوريّة، حيث وجودهم، قبل ذلك، مَن لم يعرف الإيزيديّة بهذا الشّيوع بعد واقعة بالموصل (2014)؟ وهكذا تبرز الطّوائف بالحوادث والوقائع. يجد الفرصة، مَن يريد "التّكفير" و"التّشهير"، فيذهب إلى الأُصول، ويُنسى الواقعة وتفاصيلها. ليس هناك ذنبٌ لمنتمٍ لهذه الطَّائفة أو تلك، وجد الأبناء الآباء فساروا على تقاليدهم. كذلك لا توجد عقيدة تبقى كما هي، فالعقائد قابلة للانشطار، إنَّها سُنن الحياة، وأعيد وأذكر بما نُسب لمعاوية بن أبي سُفيان (ت: 60هج)، وأجده يغني عن المقال في ما قصدنا إليه: "معروف زماننا منكر زمان قد مضى، ومنكره معروف زمان قد بقي" (البلاذريّ، جمل من أنساب الأشراف).
فما تأسّس قبل ألف عام له ظروفه وأسبابه، عندما تبلور وصار مذهباً، فاختلط وتعايش، والدُّرزيَّة أعطت مجتمعاتها ما أعطت، وتحملت ما جرى عليها. كانت ظاهرة الحاكم بأمر الله الفاطميّ (ت: 411هج)، غير منفصلة عن النّزاع بين الدّول والعقائد، فالدَّولتان متقابلتان (العباسيَّة والفاطميَّة)، والفاطميون يريدون بغداد، والخليفة العباسيّ القادر بدين الله (ت: 422هج)، عدَّ العدة للمواجهة العقائديّة بسنيته، فشدّد الحاكم الفاطمي مِن العقيدة الإسماعيليَّة، باتخاذ ما يحمل النّاس على التمترس حولها، فهو لم يكن مبدعاً للعقيدة الدُّرزيّة، إنما وجد دعوة جاهزة فاحتضنها، وكانت البداية الفعليّة (407هج)، عندما وصل حمزة بن عليّ الزَّوزني حاملها له، فرَّسمها عقيدةً للدّولة، واتخذ التّوحيد وفقاً لمقالتها. هذا، ولو فتشت لوجدت مئات المؤلفات عناوينها "التَّوحيد"، فكلُّ مذهب يوحد الله بعقيدته.
أثار اتخاذ أفكار حمزة بن عليّ عقدةً رسميَّةً حسد الدَّاعي الآخر نشتكين الدّرزيّ، فتعرضت الدَّعوة إلى حرب داخليّة، اضطر الحاكم إلى تجميدها، للخلاص مِن الدّرزيّ، لكنَّ الاسم سارت به الرّكبان، وعلى الرّغم مِن أنهم يصيحون نحن "الموحدون" و"بنو معروف"، لكنْ هيمن لفظ "الدّروز" فسكتوا، وقبلوا بـ"الموحدون الدّروز" (أبو صالح ومكارم، تاريخ الموحدين الدُّروز).
قام الخليفة العباسي، لمواجهة الدّعوة الجديدة والإسماعيليّة، بإصدار محضر فقهي طعن بنسب الفاطميين. أمضاه رؤساء المذاهب ببغداد، بينهم العلويون الشّيعة، والشّيخ المفيد (ابن الجوزي، المنتظم). بقدر ما تعصّب الحاكم تشدّد القادر، فصنّف كتاباً كفَّر فيه المعتزلة وغيرهم، يُقرأ في الجمعة (البغدادي، تاريخ بغداد)، وعلا الأمر بالحاكم إلى فرض التَّوحيد، بالدَّعوة التي تبن إذا كان القادر بالله منفيّاً مِن قبل ابن عمَّه، والأزمة في البيت العباسيّ شديدة، كانت أخت الحاكم "ست المُلك" وابنه ضده، فبعد غياب الأب أعلن الابن اضطهاد الدُّروز، بتقتيلهم وملء الحبوس بهم. قيل: "كانت مِن أعقل النّساء وأحزمهنَّ"، وخشية مِن خراب البيت الفاطميّ بسلوك أخيها، عملت ضده (تغرى بردى، النّجوم الزَّاهرة). فجُمدت الحركة "الدّرزيّة"، ولم تعد رسميّة، وظلّت بحدود الشّام: سورية ولبنان وفلسطين. يقرّ الدُّروز بالوحدانيّة، ويعتقدون، كغيرهم مِن الملل: في آخر المطاف "ستعتنق البشريّة بكاملها الدّرزيّة" (أوبنهاتم، الدُّروز).
لديهم وصايا سبع، أبرزها: صدق اللِّسان، حفظ الإخوان، ترك عبادة البهتان، البراءة مِن الأبالسة والطّغيان (أبو عزّ الدِّين، الدُّروز في التّاريخ). أرأيتم، كيف أنَّ أبناء مذاهب اليوم لا شأن لهم بالتأسيس وصياغة العقيدة، فالعقائد موروثات، ولولا النّزاع العباسيّ الفاطميّ ما تبنى الحاكم الدُّرزيَّة، التي قمعها نجله الظّاهر لإعزاز الله (ت: 429هج)، ولا طُلب مِن أبي حامد الغزاليّ (ت: 505هج) تصنيف "فضائح الباطنيّة"، الذي لم يعفِ الأطفال مِن اختبار العقيدة، ولا جلس القادر يرمي التَّكفير مع صلاة الجمعة.
مرّت المنطقة بدورات عصيبات، والضَّحايا أبناء الطّوائف، يأتي السّياسيّ يتسيّد بطائفته مضطهداً الآخرين، ولما يرحل تُحسَبُ أفعاله على طائفته، لأنه جعلهم أدواته، فيجري الثَّأر منهم. لذا، اعصموا الطَّوائف مِن الحزبيّة، فإذا كان الغرور بالسُّلطة، فالدّهرُ لا يغفل، والكلام يُنسب لأبي العَتاهيَة (211هج): "سكتَ الدَّهرُ زماناً عنهم/ ثم أبكاهم دماً حين نطق" (سبط ابن الجوزيّ، مرآة الزَّمان).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram