TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > العلمانية

العلمانية

نشر في: 7 مارس, 2011: 05:14 م

(الجزء الثالث) غي هارشير ترجمة: رشا الصباغ دسترة العلمانيّة:يؤكِّد دستور 1946 مبدأ الحياد والعلمانيّة، الذي كان قد وُضع قيد التطبيق (انظر ما سيلي) في ما يخصّ المدرسة، تنصّ المادّة 2 من دستور 1958 على أنّ: (فرنسا جمهوريّة... علمانيّة. إنّها تكفل المساواة أمام القانون لجميع المواطنين، بدون أيّ تمييز في ما يتعلّق بالأصل، أو العرق أو الدين. وهي تحترم جميع المعتقدات).
ما هو التحوّل الذي طرأ عندما غدت العلمانيّة (التشريعيّة) (قانون 1905) علمانيّة (دستوريّة)؟ ما الذي سبّب التفافاً عامّاً حول هذا المبدأ، في حين أنّه كان قد أثار في بداية القرن معركةً جعلت أنصاره ومعارضيه يمسكون بتلابيب بعضهم البعض؟ إذا أنعمنا النظر في الخطابات التي أُلقيت بمناسبة جعل العلمانية دستوريّة، للاحظنا بصورة لا تقبل الجدل تغيّراً في منظور الكنيسة، إذ كانت تلك الأخيرة قد رأت في الفصل عدواناً عليها، واعتبرته بصورة خاصّة، كما مرّ معنا، نيلاً من موقعها المهيمن كحارسة للقيم الحقيقيّة التي يجب أن يُبنى عليها أيُّ مجتمع قويم، ومن مبدأ التراتبيّة فيها في أن (حتى تشكيل الجمعيّات الأبرشيّة في عشرينات القرن الماضي)، لقد (اهتدت) الكنيسة، في الحقيقة، إلى العلمانيّة تدريجيّاً (الأمر الذي مكّن من حدوث الإجماع شبه التام الذي أدّى إلى جعل تلك العلمانيّة دستوريّة: فرنسا جمهوريّة علمانيّة)، ذلك أنّها أخذت تجد فيها، شيئاً فشيئاً، حمايةً، أو في جميع الأحوال نوعاً من كابح يوقف ارتداد المجتمع عن المسيحيّة، ضمانةً بأنّ الفصل لن يأخذ منحى (غاليكانيّةٍ حديثةٍ)، أي عن طريق هيمنة دولة لم تعد تجسِّد، خلافاً لملكيّة العهد البائد، المبدأ المسيحيّ كما كان قد فعل الملوك (ذوو الحقّ الإلهيّ)، فقد راحت الكنيسة تميل أكثر فأكثر إلى اعتبار العلمانيّة أشبه بوضع حياديّ للدولة منها بفصل صارم، وكما يقول موريس باربييه، لقد أفسحت (العلمانيّة الفصليّة) المكان بالتدريج لـ (العلمانيّة الحياديّة)، والحقيقة أنّ الكنيسة (وغالباً الأقليّات الطائفيّة كذلك) قد أدركت كلَّ ما يمكنها جَنيُه من إعادة تفسير المفهوم القديم للحياد (الذي سبق أن استُخدِم خلال فترة علمنة المدارس، في السنوات 1880- 1900)، إذ أتاح بشكل ما تذكيرَ العلمانيّين بالمعنى المزدوج لفكرة العلمانيّة: فهي إلى جانب كونها استقلالاً للدولة عن الأديان، تؤكّد أيضاً على حرّية المعتقدات (وتصوّرات الحياة الصالحة بشكل عام) بالنسبة لتأثير السياسة.. بعبارة أخرى، لم تشأ الكنيسة أن تلقى بدورها المصيرَ نفسه الذي آل إليه جميع (المنشقّين) (بروتستانت، يهود، أصحاب فكر حرّ...) إبّان فترة هيمنتها1. لقد أكمل قانون 1905 بالطبع، بوجه ما، الثورة الفرنسيّة بفصله المسائل السياسيّة عن المسائل الأخلاقيّة، وتوصّلت الجمهوريّة بذلك إلى وضع المسؤولية عن الصالح العامّ للشعب laos، ولكن إنجازاً كهذا قابلٌ بحدّ ذاته لتأويلات عدّة: ثمّ إنّ لا دستور 1946 ولا دستور 1958 حدّدا مفهوم العلمانيّة؛ بحيث استطاع الكاثوليك الدفاع عن مبدئها بربطه بفكرة الحريّة الدينيّة، الوجه الآخر، إذا جاز لنا القول، للميدالية العلمانيّة: فالدولة لم تُفصَل حقّاً عن تصوّرات الحياة الصالحة بقدر ما أمست ناطقة باسم أخلاق، وقيم، وبصورة خاصة باسم مُثُل عليا عقلانيّة ومضادّة للدين. لقد كان لدى الكنيسة فزّاعة وافية بالغرض متمثّلة بالأنظمة الشيوعيّة، التي كانت تمجّد إلحاداً رسميّاً وتضطهد الطوائف الدينيّة، فقد أعطت الشيوعيّة المثل عن الانقلاب الذي، لو أرادت الكنيسة أن تحافظ على وجودها في المجتمع المدنيّ، لوجب عليها أن تتجنبّه حتماً: هيمنة دين علمانيّ بدلاً من دين سامٍ، قمع الكاثوليك (والكنائس بشكل عامّ) بدلاً من قمع غير الكاثوليك كما كان الوضع في عهد النظام القديم. كان هذا إن صحّ القول compelle intrare (أرغمهم على الدخول في الكنيسة) كما ورد في إنجيل لوقا مقلوباً ومغرَقاً في الراديكاليّة في آن: مقلوب (لأن المضطَّهدين القدامى هم الذين كانوا، هذه المرّة، يفرضون مذهبهم الماديّ (الفلسفيّ) على الكنائس)، وهو كذلك راديكاليّ، من حيث أنّ تطوّر العلم التقنيّ قد سمح بأن تمارَس على المجتمع سيطرةٌ أكثر منطقيّة بكثير من السيطرة الممارسة أيام محاكم التفتيش، أو، في ما بعد، في عهد الملكيّة الكاثوليكيّة، أمام أخطار كهذه للشموليّة، كانت أشكال تطرّف وشطط سياسة الفصل (التي ما لبثت أن صحّحتها على كلّ حال رغبة بريان وجوريس في التسويّة) تبدو في منتهى اللطف والاعتدال، حتى إن الكنيسة تبنّت حقوق الإنسان، التي كانت تسمح لها بتقديم حججها في الدفاع عن دولة محايدة، تحترم (جميع المعتقدات)، وتكفل الحريّة الدينيّة، بما فيها حريّة التعليم.وضع كهذا لا يفرض في حدّ ذاته بالطبع إعادة تحديد جذريّة لشروط المعركة العلمانيّة؛ إنّه بالأحرى يغيّر موضوعات تلك المعركة نفسها: إذ تبذل الكنيسة جهداً، خاصة بعد انعقاد المجمع الفاتيكاني الثاني، للتصالح (جزئيّاً) مع الحداثة، والصراعات التي يثيرها اليوم، في قلب الكاثوليكيّة نفسها، أولئك الذين يستنكرون عناصر تراجع معيّنة في سياسة يوحنّا بولس الثاني، تؤكّد أكثر مما تكذّب حركة كهذه. عدوّ العلمانيّة كان بالأمس الشيوعيّة (الملحدة)، وهو اليوم الأصوليّة الدينيّة، أيّاً كان اللبوس الذي ترتديه: مر

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram