TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: عودك رنان

العمود الثامن: عودك رنان

نشر في: 27 يوليو, 2025: 12:07 ص

 علي حسين

الموسيقي، الممثل، الشيوعي الذي ظل يحن للعدالة الاجتماعية، المتمرد الذي وجد في المسرح طريقا لنصرة الضعفاء وموقفاً صادقاً، ومنبرا نقديا، الفنان الذي لن يتكرر لأن فنه كان بأهمية وطنه ، الفنان الذي كان يحمسنا على حب الاوطان رغم الوجع والظلم ، يضحك فتوجعنا ضحكاته ، يغني فيفضح امراضنا واحوالنا وصمتنا .
زياد الرحباني الذي غادر عالمنا امس قبل أن يحتفل بعيد ميلاده السبعين، تاركا لنا مشروعا فكريا وموسيقيا متكاملاً، اراد من خلاله أن يقدم صرخة الطبقات المهمشة التي تتأرجح بين الأمل والخذلان، لم يُغن زياد من أجل المتعة بل لكي يرسم ملامح الناس المتعبة، بواقعية جريئة وجارحة، ستظل تذكرنا بأن تراثه الموسيقي والمسرحي سيبقى حاضراً في كل مواجهة مع الظلم والقبح والفقر والانتهازية وبيع الضمائر
عملاق في المسرح والموقف والاغنية ، لكنه عاش متواضعا ، لم يكن يسعى للنجومية والشهرة وعدسات المصورين ، ولهذا اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة الانتصار لقضايا المراة، وانها "يجب ألا تحشر نفسها في مهن الرجال" على حد قول " العلامة " محمود المشهداني، لكي أخصص هذه الزاوية لأيقونة من أيقونات زمننا المعاصر، فنان غنى ولحن وكتب للعدالة والعشق والهوى والأوطان.
لم يكن زياد الرحباني موسيقيا فقط، بل فنانا أدرك منذ أول مسرحية " بالنسبة لبكرا شو" أن الفن جزءا من نضال لا يموت، بل يستمر ليهز وجدان الناس ومشاعرهم. الفنان التي صدح صوته للحرية ومناصرة الضعفاء، هو نفسه الذي أطربنا بألحان "البوسطة" و"عودك رنان" و "سألوني الناس" و "كيفك انت ".
اختصر زياد الرحباني في ألحانه ومسرحياته واشعاره حقبة زمنية زاخرة بالاحداث والمواجهات والمواقف .
نشأ زياد الرحباني وهو يحمل مزيجاً من تراث عائلة الرحابنة، ورغم شهرة فيروز وعاصي ومنصور، إلا ان الفتى زياد قرر ان يشق له طريقا خاصا، كتب قصائد استثنائية، وقدم ألحانا متميزة مزجها بالموسيقى الحديثة ، وعروض مسرحية مشاكسة بإسلوب ساخر ومؤلم، ليتحول الى حالة فريدة في المشهد الثقافي العربي، وليترك علامة واضحة لا يستطيع أحد ان ينكر تميزها وجرأتها ومشاكستها للواقع وتمردها على كل ما يجري حولنا، حتى تحولت هذه الاعمال الى بصمة خاصة بجيل وجد نفسه في مواجهة الحروب والخذلان وبيع الضمائر.
لم يكن زياد الرحباني مجرد ملحن وممثل مسرحي، بل انسان صاحب موقف يودعنا وعيونه صوب بيروت مدينة الاحلام وقلعة الحروف .. بَحر وشمس وكتاب ومعارك فكرية .. بيروت الطائفة الواحدة الممتدة من جبران الى ابو ماضي ومي ونعيمة ومعلوف والريحاني وانسي وبعلبكي وعامل ومروة.
في آخر مقال ساخر له يكتب زياد رحباني هذه الجملة المؤثرة : "ليتهم يعرفون ان لحظة العمر الأخيره قد تنزل علينا تأخذنا ونحن نتخاصم".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram