ميسان / مهدي الساعدي
تشهد مناطق واسعة من محافظة ميسان، أجواءً خانقة بفعل انتشار دخان كثيف ورائحة حرق تشبه تلك الناتجة عن إحراق مخلفات القصب. وتتفاقم هذه الظاهرة مع هبوب الرياح الشرقية أو الجنوبية، ما سبّب معاناة كبيرة لسكان المحافظة، خصوصاً المصابين بأمراض الربو والتحسس
ومشاكل الجهاز التنفسي.
وقد عبّر العديد من المواطنين عن تذمرهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، مطالبين السلطات المحلية بتوضيح مصدر هذا الدخان المستمر الذي يظهر بشكل متكرر منذ منتصف الليل وحتى ساعات النهار.
وقال المدون سعد رحيم لصحيفة «المدى»: «تتعرض أجواء ميسان لموجات دخان كثيف ومخيف، خاصة عندما تكون الرياح شرقية. دون معرفة السبب، والدخان يبدأ بشكل واضح من منتصف الليل حتى صباح اليوم التالي، ما يؤثر بشكل مباشر على المرضى».
وطالب رحيم بعقد مؤتمر صحفي رسمي تعلن خلاله الجهات المعنية الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة التي تمس حياة المواطنين.
الناشط البيئي مرتضى الجنوبي أوضح لـ«المدى» أن ظاهرة الدخان تعود لسببين رئيسيين: الأول هو قيام شركة أهلية متعاقدة مع شركة «جيوجيد» الصينية النفطية بحرق غابات القصب الجافة في منطقة هور العظيم، بهدف تهيئة ساحات ترابية تمهيداً للعمل داخل هور الحويزة الجاف، حيث يعوق القصب حركة الآليات.
أما السبب الثاني، فيرتبط بمشروع إنشاء سدة ترابية فاصلة بين العراق وإيران، تنفذه قوات حرس الحدود. وأشار الجنوبي إلى أن «حرق القصب يسهل عمل الآليات في إنشاء السدة، لا سيما أن وجود الغطاء النباتي يعيق الحركة». وبين أن عمليات الحرق هذه ليست جديدة، لكنها كانت محصورة بسبب الرياح الشمالية التي كانت تبعد الدخان عن المدن، فيما سمحت الرياح الشرقية الحالية بوصوله إلى مراكز المحافظات.
وأضاف الجنوبي أن «جفاف هور الحويزة دمّر مظاهر الحياة الطبيعية، لكن حرق القصب زاد الطين بلّة، مسبباً مزيداً من الأضرار البيئية».
وفي الجانب الصحي، أكدت مصادر من دائرة صحة ميسان تسجيل العشرات من حالات الاختناق ونوبات الربو، بسبب استنشاق الدخان المنتشر في الأجواء. وقال الممرض حسن علي لـ«المدى» إن «مستشفيات المحافظة تستقبل عشرات المصابين بنوبات تنفسية متوسطة بسبب الدخان.
رغم عدم تسجيل حالات حرجة أو وفيات حتى الآن، فإن الوضع يُنذر بالخطر على المصابين بأمراض الجهاز التنفسي». ووصف علي الظاهرة بأنها تمثل «خطراً جديداً من نوعه على صحة السكان، ويمكن تصنيفه ضمن أشكال التلوث البيئي الخطير».
من جانب آخر، أعربت منصات إعلامية ومدونون على مواقع التواصل عن قلقهم من استمرار الظاهرة، التي اعتبروها نتيجة مباشرة لعمليات الحرق غير المنضبط في مناطق الأهوار، وسط ارتفاع درجات الحرارة وتفاقم الجفاف.
وطالبت تلك الجهات بتدخل فوري من قبل السلطات المحلية والبيئية، لإيجاد حلول عاجلة لوقف هذه الكارثة التي لا تهدد فقط سكان المناطق القريبة من الأهوار، بل تمتد آثارها لتشمل مراكز المدن، من خلال تلوث الهواء بشكل خطير، في وقت تشهد فيه البلاد أوضاعًا بيئية متدهورة بالفعل.
إلى ذلك، أكد مرصد العراق الأخضر البيئي، الأحد، استمرار اشتعال الحرائق في منطقة «ذيل الفحل» الواقعة ضمن هور الحويزة، مشيرًا إلى أن وجود نبات القصب بكثافة يُعيق عمل الجهد الهندسي التابع للواء العاشر، المكلف بإنشاء سدّة ترابية لاحتواء النيران.
وقال الخبير البيئي أحمد صالح نعمة إن «المنطقة مغلقة أمنياً ولا يُسمح بدخولها إلا للمنشآت النفطية وقيادة قوات الحدود»، مضيفاً أن «هبوب الرياح، وارتفاع درجات الحرارة، والجفاف الكامل للقصب تُعدّ من أبرز العوامل التي تغذّي استمرار الحرائق».
وأشار إلى أن الحرائق الحالية تُشابه تلك التي اندلعت في عام 2021 واستمرت 16 يومًا، مؤكداً أن الحكومة استعانت حينها بالطيران الإيراني المحمّل بالمياه للمساعدة في عمليات الإخماد.










