بغداد / محمد العبيدي
يتجه مجلس النواب العراقي نحو فتح واحد من أكثر الملفات حساسيةً وإثارةً للجدل، عبر مقترح جديد لتعديل قانون الجنسية رقم 26 لسنة 2006، يهدف إلى منع العراقيين الذين يحملون جنسيةً أجنبية من تولي المناصب السيادية والأمنية العليا، ما لم يتنازلوا رسميًا عن جنسياتهم الأخرى.
هذا المقترح، الذي قدّمه النائب عامر عبد الجبار إلى رئاسة البرلمان، مدعومًا بتواقيع عدد من النواب، يُجري تعديلًا حاسمًا على المادة التاسعة من القانون النافذ، ويُدرج للمرة الأولى قائمةً مفصّلة بالمناصب المشمولة بالحظر.
وبحسب المقترح، فإن المنع يشمل مناصب رئيس الجمهورية ونوابه، ورئيس الوزراء ونوابه، ورئيس البرلمان ونوابه، والوزراء ومَن بدرجتهم، إلى جانب أعضاء السلطة القضائية، ورؤساء الأجهزة الأمنية والاستخبارية، والضباط ومنتسبي الدفاع والداخلية، فضلًا عن جميع مَن يشغل منصب مدير عام فما فوق.
مادة دستورية
وينطلق المقترح من أرضية دستورية واضحة، إذ تنص المادة (18/رابعًا) من الدستور العراقي على جواز تعدد الجنسية، لكنها تُلزم مَن يتولى منصبًا سياديًا أو أمنيًا رفيعًا بالتخلي عن جنسيته الأجنبية.
غير أن القانون الحالي لم يُفصّل هذه المناصب بدقة، واكتفى بصيغةٍ فضفاضةٍ أبقت الباب مفتوحًا أمام التأويلات، الأمر الذي مكّن شخصياتٍ مزدوجةِ الجنسية من التغلغل في مفاصل الدولة العليا دون عائق قانوني فعلي.
ويرى مقدّمو المقترح أن هذا الغموض أضرّ بمبدأ العدالة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، كما أنه فتح المجال لتضارب المصالح، لا سيّما عندما يكون المسؤول خاضعًا لقوانين دولة أجنبية أو يتمتع بامتيازاتها، ما قد يؤثر في قراراته السيادية.
تحديات أمام التعديل
في هذا السياق، يرى الباحث السياسي غالب الدعمي أن "هذه الخطوة مهمة جدًّا لإعادة ترتيب العلاقة بين المسؤول والدولة العراقية، لكن تمرير القانون يبدو بعيد المنال في ظل المشهد البرلماني الحالي".
وأضاف الدعمي لـ(المدى) أن "أغلب الزعامات السياسية الفاعلة في البرلمان يحملون جنسيات أجنبية، وبعضهم يدين بولاءات غير وطنية لأسباب أيديولوجية أو سياسية، وبالتالي فإنهم غير معنيين فعليًا بتمرير هذا القانون".
وأشار إلى أن "الزمن السياسي لا يخدم هذا النوع من المقترحات، خصوصًا أن البرلمان منغمس بشكل غير معلن في سباقٍ انتخابيٍّ مبكر، حيث انشغلت معظم الكتل بالتحضيرات والدعايات الانتخابية خلف الكواليس، ما يجعل النقاشات التشريعية في هذه الفترة شكليةً وغير منتجة".
الحصانة المزدوجة
من جانبٍ آخر، يتهم مختصون القانون الحالي بفتح الباب أمام ما يسمَّى بـ"الحصانة المزدوجة" التي توفرها الجنسية الثانية، والتي استفاد منها العديد من المسؤولين السابقين الذين تورطوا في قضايا فساد أو استغلال منصب.
وتشير الوقائع إلى أن عددًا من الوزراء والمحافظين السابقين فرّوا إلى دولٍ أجنبية بعد صدور أوامر قضائية بحقهم، من دون أن تتمكن السلطات العراقية من إعادتهم، بسبب امتلاكهم جنسية تلك الدول.
ويستدل مراقبون بحالاتٍ معروفة مثل محافظ البصرة الأسبق ماجد النصراوي، ووزراء التجارة والدفاع والكهرباء في حكومات سابقة، الذين أفلتوا من العقاب بفضل غطاء الجنسية الأجنبية، ويرى هؤلاء أن تشريع هذا القانون سيكون بمثابة الخطوة الأولى لمنع الإفلات من العقاب.
ويُنتظر أن تُطرح مسودة التعديل على لجنتي القانونية وحقوق الإنسان داخل البرلمان، وسط أجواء مشحونة بالشكوك حول إمكانية تمريرها، لا سيّما أن عددًا من أعضاء المجلس الحاليين يحملون جنسياتٍ مكتسبة، وهو ما يجعلهم في موقع "تضارب المصلحة" بشكل مباشر.
بدوره، قال الباحث القانوني محمد أزهر إن "المقترح النيابي جاء لمعالجة واحدةٍ من أبرز الثغرات في قانون الجنسية العراقي، والتي تتمثل بعدم تحديد المناصب السيادية أو الأمنية الرفيعة بشكل دقيق، ما جعل النص القانوني الحالي عُرضةً للتأويل وضعيفًا من ناحية التطبيق".
وأضاف لـ(المدى) أن "التعديل المقترح لا يكتفي بمنع مزدوجي الجنسية من تولي تلك المناصب، بل يفرض قيودًا إضافية على مَن يتنازل عن جنسيته الأجنبية لأغراض التعيين، أبرزها شرط مرور دورتين انتخابيتين قبل إمكانية العودة للمنصب، مع حرمان دائم في حال استعادة الجنسية الأجنبية مجددًا".
وأوضح أزهر أن "هذا النوع من الضوابط يهدف إلى ضمان الولاء الكامل للدولة العراقية، ومنع أي تضارب محتمل في المصالح، لا سيّما حين تكون الدولة المانحة للجنسية طرفًا في ملفات سياسية أو اقتصادية تمسّ السيادة الوطنية".
مقترح تعديل قانوني لمواجهة الجوازات المزدوجة والولاءات المتعددة

نشر في: 28 يوليو, 2025: 01:06 ص









