محمد الربيعي
اطلقها صرخة هائلة، تهز اعماق القلوب وتوقظ الضمائر النائمة. صرخة هذا الوطن الذي ينزف دما ويئن تحت وطاة الفساد المالي الذي لا يكتفي بنخر عظامه، بل يسرق ارواحنا، ويحصد ابناءنا في كوارث لا حصر لها.
لقد رأينا باعيننا كيف تحولت ثرواتنا الى لعنة ابدية، وكيف اصبح الامان حلما بعيد المنال، سرابا في صحراء الياس. فالفساد المالي ليس مجرد رقم في ميزانية او قضية اقتصادية جافة، انه الجذر الاسود لكل مأساة تدمي قلوبنا وتصم اذان العالم. انه الوقود الخبيث الذي يغذي الاهمال القاتل، ويبني اساسات هشة تنهار فوق رؤوس الابرياء، ليتركنا عرضة للموت المحتم الذي يحصد فلذات اكبادنا.
حريق الكوت الماساوي ليس مجرد حادث عابر، انه جرح غائر، لا بل شق في قلب الوطن، ندبة دم لن تمحى بسهولة من ذاكرتنا الجماعية. انه دليل صارخ على ان الفساد المالي. يقتل احلامنا، يقتل مستقبل اجيالنا، يقتل ابناءنا الذين يدفعون ارواحهم ثمنا لجشع المتلاعبين وعدم اكتراث الفاسدين.
لم يعد فضح جذور الفساد وتعرية المتورطين فيه خيارا نتردد فيه، بل هو واجب مقدس، عهد على كل شريف، لا يقبل التسويف او التاجيل. لقد تحولت خيرات بلادنا الى سلعة رخيصة تباع وتشترى في اسواق النخاسة، واغتصبت مؤسساتنا الوطنية لتصبح اوكارا لبيع الذمم ونهب اموال الشعب بوقاحة.
هذا التدهور المريع لا يتطلب منا مجرد وقفة صامتة، بل تغييرا عميقا ومنهجيا يقتلع الفساد من جذوره. لا تكفي الكلمات الرخوة التي تذروها الرياح، ولا النقد الخجول الذي يختبئ خلف ستار الخوف. يجب ان نطالب، بل نصرخ باعلى أصواتنا، لوضع حد فوري وقاطع لهذا التدهور المريع. علينا ان نستعيد لوطننا كرامته وعزته، وقيمته الحقيقية التي داسها الفساد، والا فمستقبل اجيالنا القادمة سيبقى في مهب الريح، بلا مرسى ولا امان.
الحل يكمن في التغيير لا يعرف المساومة على دماء ابنائنا، تغيير يركز على بناء وطن قوي، شامخ، يقوم على العدل المطلق، والنزاهة التي لا تتزعزع، والمساءلة التي لا تستثني احدا. يجب ان نبني كفاءات حقيقية تحمي ارواحنا وممتلكاتنا، لا ان ننتج مشاريع فاسدة تلوث مجتمعنا وتنهب مقدراتنا، ولا ان نقبل بمسؤولين يخدعوننا باوهام التنمية وهم غارقون في وحل الفساد.
هذا التغيير يبدا من تأهيل الاجيال الناشئة، وتزويدها بالوعي والمعرفة والادوات اللازمة لتكون قادرة على اصلاح النظام السياسي من الداخل. من خلال التعليم الجيد، والتوعية بالحقوق والواجبات، وتشجيع المشاركة الفاعلة في الحياة العامة، يمكن للاجيال القادمة ان تكون القوة الدافعة للتغيير السلمي والبناء. يجب ان نزرع فيهم قيم النزاهة والمسؤولية والوطنية، وان نمكنهم من مساءلة الفاسدين، والعمل على بناء مؤسسات قوية وشفافة.
دعونا نتكاتف ايها الشرفاء، ايها الاوفياء لهذا التراب، ونقف صفا واحدا، سدا منيعا ضد هذا الخطر الداهم الذي يهدد وجودنا. لنجعل من كل مأساة نقطة تحول تاريخية، وصرخة استيقاظ مدوية توقظ الضمائر الميتة وتحرك المياه الراكدة، لتغيير يعصف بالبقية الباقية ولتغيير يقوده ابناؤنا من اجل مستقبلهم. المستقبل يبدأ الان... مستقبل خال من الفساد، مفعم بالامل، آمن لابنائنا، وعزيز لوطننا.
هل انتم مستعدون لتكونوا جزءا من هذا التغيير؟ هل انتم مستعدون لتكتبوا تاريخا جديدا لوطننا، تاريخا يبنى بالعلم والعمل والوعي؟.










