حسين عبد الرازقرغم انشغال الرأي العام والصحافة وأجهزة الإعلام بتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة د. عصام شرف بعد استقالة حكومة الفريق أحمد شفيق، فهناك قضية مهمة مسكوت عنها تتعلق بكيفية اختيار الوزراء وطبيعة مسؤولياتهم.فالمتعارف عليه في البلاد الديمقراطية كافة والتي تقوم الحياة فيها على التعدد الحزبي، إن اختيار الوزراء - بمن فيهم رئيس مجلس الوزراء - يتم بقرار من الحزب الفائز في الانتخابات العامة
أو باتفاق بين الأحزاب التي تقرر الائتلاف معا لتشكيل الأغلبية في المجالس النيابية، وبالتالي فالوزراء هم في الأساس سياسيون وليسوا فنيين، فتنحصر مهمتهم في تنفيذ سياسة الحزب وبرنامجه في الوزارة التي يتولون مسؤوليتها، ويتولى وكلاء الوزراء، وهم بالضرورة خبراء مؤهلون بالتنفيذ الفني المتخصص لهذه السياسات وهؤلاء لا يتغيرون بتغير الوزارة وتولي حزب آخر أو ائتلاف آخر تشكيل الوزارة، وهكذا فوزير الداخلية في فرنسا أو انجلترا ليس ضابط شرطة كبيرا، ولكنه سياسي في الحزب الاشتراكي أو الحزب الديجولي أو الحزب الشيوعي في فرنسا، أو حزب العمال أو حزب المحافظين في انجلترا، ونفس المنطق بالنسبة لوزير الدفاع أو وزير العدل أو وزير الاقتصاد فكلهم سياسيون من الحزب الذي يتولى تشكيل الوزارة وليسوا تكنوقراط أو خبراء في شؤون الوزارة التي يرأسونها.نفس المنطق والمنهج كان سائدا في مصر في ظل تجربة التعددية الحزبية بعد دستور 1923 وحتى قيام ثورة 23 يوليو 1952، فكان فؤاد سراج الدين سكرتير حزب الوفد المصري - حزب الأغلبية الشعبية في ذلك الوقت - هو الذي يتولي وزارة الداخلية، وقبلها كان وكيلا للنائب العام ثم وزيرا للزراعة عام 1942 فوزيرا للشؤون الاجتماعية فوزيرا للداخلية فوزيرا للمواصلات.وبعد قيام ثورة 23 يوليو وحل الأحزاب في يناير 1953 وبدء نظام الحزب - أو التنظيم الواحد لم يكن الاختيار للوزارة يتم أساسا من داخل التنظيم السياسي الواحد، سواء كان هيئة التحرير والاتحاد القومي بعد ذلك ثم الاتحاد الاشتراكي العربي، ولكنه اعتمد في المرحلة الأولى على ضباط القوات المسلحة، فيما وصف بعسكرة المجتمع فأصبح وزير الداخلية ضابطا من ضباط الثورة أو القوات المسلحة (جمال عبد الناصر ثم زكريا محيي الدين.. فعباس رضوان) ووزير التربية والتعليم ضابطا أيضا (كمال الدين حسين) ووزير المواصلات كذلك (جمال سالم).. وهكذا، وفي المرحلة الثانية سادت نظرية الوزراء التكنوقراط فوزير الصناعة أستاذ جامعي ومهندس (عزيز صدقي) ووزير المواصلات نفس المؤهلات (مصطفى خليل) ووزراء المجموعة الاقتصادية أساتذة وخبراء اقتصاديون وفي المالية العامة، ووزراء الداخلية لواءات شرطة (عبد العظيم فهمي - ممدوح سالم - النبوي إسماعيل - حسن الألفي - حبيب العادلي - محمود وجدي)، بل إن بعض الوزراء كانوا وكلاء للوزارة تم اختيارهم لتولي الوزارة دون أي خلفية سياسية.وقد ارتبط هذا التوجه بتركيز السلطة التنفيذية وجميع السلطات الأخرى في يد شخص واحد هو رئيس الجمهورية، واعتبار رئيس الوزراء والوزراء مجرد موظفين كبار، أو مديري مكتب وسكرتيرين لرئيس الجمهورية، كل دورهم هو تنفيذ السياسة التي يتم صياغتها وتقريرها في مؤسسة الرئاسة، وتأكد هذا المنطق الخاطئ في دستور 1971 والمطبق حتى الآن، فالمادة 173 تنص على أن (يتولى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية، ويعين رئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء ويعفيه من منصبه، كما يعين نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء ونوابهم ويعفيهم من مناصبهم (المادة 141)، والرئيس هو الذي يعين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين ويعزلهم، فهو الذي يصدر اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين ولوائح الضبط (المواد 143 و144 و145).ومن الواضح أن هذا المنهج مازال سائدا، فتشكيل حكومة الفريق أحمد شفيق الثانية اعتمدت نفس القواعد، وكان الاستثناء الوحيد هو اختيار د. جودة عبد الخالق عضو المكتب السياسي لحزب التجمع (بصفة شخصية) وزيرا للتضامن الاجتماعي، و(منيا فخري عبد النور) سكرتير حزب الوفد وزيرا للسياحة، والمقدمات تشير إلى أن نفس المنهج سيحكم تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة د. عصام شرف، فالنظام السابق مازال قائما، والدستور الذي عطله المجلس الأعلى للقوات المسلحة يجري الاستفتاء على تعديل بعض مواده دون أن تتعرض لسلطات رئيس الجمهورية ومسؤوليات مجلس الوزراء والوزراء، والموقف من الأحزاب والتعددية الحزبية أسوأ من السابق، فهناك تجاهل تام لها وإنكار لدورها والجري وراء ما يسمي بالشخصيات المستقلة، أي غير المنتمية.
الوزراء.. سياسيون أم موظفون؟
نشر في: 8 مارس, 2011: 04:40 م