TOP

جريدة المدى > عام > الذكاء الاصطناعي: التأهيل والتهويل

الذكاء الاصطناعي: التأهيل والتهويل

نشر في: 3 أغسطس, 2025: 12:01 ص

متابعة: المدى
أكثر التصورات المعتادة حول الذكاء الاصطناعي التوليديGAI أنه ينشئ محتويات نصية وصورية وصوتية مبتكرة بشكل آلي في كل مجالات الحياة بما فيها المجال الأدبي. وبذلك سيُغني الذكاء الاصطناعي عن الموهبة، وستحل الآلات الذكية محل الأدباء والفنانين، لأنهم سيكونون معتمدين عليها اعتمادا كليا. وهذا ما تعدُّه الباحثة نادية هناوي تصورًا قاصرًا؛ لأن ما تتعلمه هذه الآلة هو إعادة إنتاج المحتوى الذي سبق أن أنتجه الذكاء البشري فضلا عن حقيقة أن الشركات والمؤسسات المصنعة للذكاء الاصطناعي هي نفسها لا تملك القدرة على جعل الآلات فائقة الذكاء تشعر بمثل ما يشعر به البشر انفعاليا وعاطفيا. وهذا ما يتناوله كتاب د. نادية هناوي والموسوم(الذكاء الاصطناعي: التأهيل والتهويل) وصدر مؤخرا عن مؤسسة أبجد للترجمة والتوزيع والنشر ببابل. وفيه تذهب المؤلفة إلى تفنيد الأفكار المتداولة والشائعة حول قدرات الذكاء الاصطناعي والتي تضخِّم وتعظِّم قدرات الذكاء الاصطناعي في مجال الكتابة الادبية. وتفترض أننا لو كان الذكاء الاصطناعي عصا سحرية تجعل مستخدمه أديبا مبدعا في ظرف وجيز، لكان محاسبا من ناحية احترام الملكية الفكرية، والبحث عن الأصالة، وضرورة حضور التأثير العاطفي والشعور الإنساني هو ما يوضع امامه. وهي أمور جوهرية في كتابة الأدب والنقد.
وكثيرة هي الأسئلة التي يثيرها هذا الكتاب ويسعى إلى الإجابة عنها، من ذلك مثلا: هل يمكن باستعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي إنتاج قصة او رواية ناجحة وبشكل تام من الناحية الإبداعية ومن دون أي تدخل للذكاء البشري فيها؟ هل يمكن للذكاء الاصطناعي إنتاج الجنسانية أو محاكاتها؟ ما الهويات التي ينتجها الذكاء الاصطناعي؟ كيف يمكن لقدرات الذكاء الاصطناعي أن تكون منتجة وفاعلة في المستقبل؟ ما الفرضيات التي بها يمكن النظر بمسؤولية إلى دينامية هذا الذكاء؟
ومما تركز المؤلفة عليه الضوء أن المحاكاة هي أساس ما نراه في الذكاء الاصطناعي من قدرات، وأن هذا ما ينبغي أن نضعه في بالنا ونحن نتعامل معه، مدركين أن ما يقدمه هو في الحقيقة خلاصة عمليات محاكاته الرقمية للبيانات المتراكمة في الانترنت والمخزونة على مدى العقود الماضية. والامر في نجاح عملية المحاكاة مرهون بمستخدم الذكاء الاصطناعي فقد يُحسن استعماله فيسهل عليه أداء أغراضه بدقة وسرعة. أما بالنسبة إلى المستخدم الذي يريد من الذكاء الاصطناعي كتابة أدب سردي أو شعري أو نقدي، فهو بالأساس يستعين بالدينامية العصبية للبرمجيات الحاسوبية كي تحاكي الألاف وربما الملايين من النصوص التي لها علاقة بما يُراد البحث فيه، ومن ثم لن يقع على جديد، فتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ليست مثل العقل البشري تتضمن عمليات نفسية وذاتية، بل هي تستطيع المحاكاة كعلمية منطقية حسب، مع ضرورة وجود وسيط بشري كي يؤدي الذكاء الاصطناعي الوظائف المطلوبة منه. ومن دون هذا الوسيط لن تتمكن أقوى برامج الذكاء الاصطناعي أن تعمل من تلقاء نفسها.
وتقف المؤلفة باستفاضة عند الترويج الدعائي لمستقبل الذكاء الاصطناعي وتطبيقات آلاته الذكية. وما تنطوي عليه عمليات الترويج للكتابة الأدبية والإنتاج الإبداعي بوساطة الذكاء الاصطناعي من سيناريوهات هي تخويفية حينا ومتفائلة حينا آخر. وتذهب إلى أن هذا هو ما تحرص الشركات العالمية المحتكرة لهذه الصناعة الرقمية على التنافس فيه إنتاجا وتسويقا. ومن الطبيعي بعد ذلك أن تهول قدرات الذكاء الاصطناعي في المجال الادبي. تساعدها في ذلك وسائل الإعلام بقدراتها الهائلة في إشاعة الأخبار والمشاهد التي موضوعها استعمالات الذكاء الاصطناعي الخارقة في ميدان الأدب.
وتختتم المؤلفة كتابها بالقول: (إن المحتوى الأدبي المنتج بالذكاء الاصطناعي يبقى أبعد من أن يثبت تفوقه على الإبداع البشري. وإذا كان التفاؤل بالتصورات ما بعد الإنسانية للذكاء الاصطناعي ممكنا باحتمالية ما تحقق على صعيد التجارب والمستحدثات التقنية، فإن التفاؤل مفرط جدا على صعيد الإبداع الادبي، لأن خوارزميات الذكاء الاصطناعي لا تملك وعيا وليست لديها قدرة على التفكير الذاتي والتخييل الحر.)
هذا ويشتمل الكتاب البالغة صفحاته 325 من القطع المتوسط على عشرة فصول، توزعت بين قسمين: جاء الأول تحت عنوان(الذكاء الاصطناعي: تجارب أدبية) وجاء الثاني تحت عنوان (الذكاء الاصطناعي: سرديات معرفية)

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

بروتريه: فيصل السامر.. قامة شامخة علماً ووطنيةً

موسيقى الاحد: 250 عاماً على ولادة كروسيل

الحكّاء والسَّارد بين "مرآة العالم" و"حديث عيسى بن هشام"

في مجموعة (بُدْراب) القصصية.. سرد يعيد الاعتبار للإنسان ودهشة التفاصيل الصغيرة

شخصيات اغنت عصرنا.. الملاكم محمد علي كلاي

مقالات ذات صلة

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة
عام

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

أدارت الحوار: ألكس كلارك* ترجمة: لطفية الدليمي يروى كتابُ مذكرات لي ييبي Lea Ypi ، الحائز على جائزة، والمعنون "حُرّة Free" تجربة نشأتها في ألبانيا قبل وبعد الحكم الشيوعي. أما كتابُها الجديد "الإهانة indignity"...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram