ثائر صالح
الجزء الخامس - مهرجان باخ
ترافقت زيارتي لمدينة لايبسِج مع بدء مهرجان باخ السنوي الذي استغرق عشرة أيام في حزيران الماضي. تعود جذور المهرجان إلى العام 1904 عندما بادرت جمعية باخ الجديدة إلى تنظيم الاحتفالات، بعدها أخذت بلدية لايبسيج مسؤولية تنظيمه في 1908 بالتزامن مع تدشين تمثال باخ في ساحة كنيسة مار توما. شهد المهرجان دفعة كبيرة سنة 2000 خلال الاحتفال بالذكرى 250 لوفاة باخ حيث توافد أكثر من 70 ألف شخص على المدينة للمشاركة في الاحتفالات التي توّجت ببث حي من لايبسِج إلى مختلف مدن العالم دام 24 ساعة متواصلة غطى 90 حفلٍ موسيقي قدمته أشهر الفرق، وهو الحدث الذي يتذكره الكثير منا جيدا.
تُعتبر مدينة لايبسِج بين المدن الألمانية المهمة التي تمتعت بحق إقامة الأسواق مبكراً، ولا يزال معرض لايبسِج الدولي يقام سنوياً منذ سنة 1165. وتأسست جامعتها سنة 1409 مما أعطاها ميزة لتتحول إلى مدينة تجارية وثقافية مهمة. انتقل باخ للعمل في كنائس لايبسِج البروتستانتية سنة 1723، وكان مسؤولاً عن الفرق الموسيقية والغنائية التي تتطلبها المراسيم الدينية في عدد من كنائس المدينة، بالأخص كنيسة مار توما، وكذلك كنيسة مار نقولا القريبة إليها وكنيستين صغيرتين (إحداهما تدمرت في 1943 والثانية هدمت في 1886)، ومسؤولا عن مدرسة مار توما لتعليم الأطفال الموسيقى والغناء.
افتتح المهرجان بحفل كبير في كنيسة مار توما يوم 12 حزيران واختتم يوم 22 حزيران، وبينهما عشرات الحفلات الموسيقية في الكنائس التي عمل فيها باخ وفي الأماكن المرتبطة به وفي قاعة كِفاندهاوس، وفي الشوارع والساحات، وتحولت المدينة كلها إلى مسرح ضخم بمختلف الفعاليات، بضمنها محطة القطار هائلة الحجم، حيث نصب مسرح عليه بيانو. وقد استقطب مسرح باخ في ساحة السوق عند بناية البلدية القديمة الآلاف في كل أماسي المهرجان ليستمعوا إلى مختلف الأعمال. وقد حضرت الأمسية التي قدمت فيها فرقة ساراباند برنامجها الشهير الذي اقتبسته من عمل باخ آلام المسيح حسب مار متى، وتبادل الغناء فيه بين الألمانية والعربية قدمته المغنية فاديا الحاج.
تلهفت إلى التعرف على مزايا الصوت في كنائس باخ. لهذا حضرت حفلاً في كنيسة مار توما قدمت فيه فرقة أكاديمي باخ من البروفانس (فرنسا) أعمالاً غنائية وبعض أعمال الأورغن، كما خبرت المزايا الصوتية لكنيسة مار نقولا عند استماعي لبعض كانتاتات باخ. كانت تجربة الاستماع إلى صوتيات هذه الكنيسة مثيرة، إذ كتب باخ أعماله لتلائم المزايا الصوتية للأماكن التي تقدم فيها، لهذا كانت الموسيقى صافية، لا لبس أو تداخل فيها جراء الحسابات غير الصحيحة لارتداد الصوت بين الجدران وتحت السقف.
شارك في المهرجان عدد كبير من أشهر قادة الفرق مثل الهولندي تون كوبمان والانكليزي سير جون إليوت كاردنر والسويسري دييكو فاسولِس والألماني راينهارت كوبل والإيطالي أندريا ماركون وعازفين مثل الانكليزي - المجري سير أندراش شِف والفرنسيين بنجامين آلار وجان روندو.
موسيقى الاحد: سياحة موسيقية في ألمانيا

نشر في: 3 أغسطس, 2025: 12:02 ص









