TOP

جريدة المدى > عام > شخصيات أغنت عصرنا .. الرسام ديفيد هوكني/ David Hockney

شخصيات أغنت عصرنا .. الرسام ديفيد هوكني/ David Hockney

نشر في: 3 أغسطس, 2025: 12:03 ص

بلقيس شرارة
من الشخصيات التي التقيت بها الرسام البريطاني ديفيد هوكني، كان ذلك عندما قضينا عقداً في مدينة بوسطن، الولايات المتحدة، وكان رفعة استاذاً زائراً في جامعة هارفرد، وقد دعي ديفيد هوكني لإلقاء محاضرة عن أعماله، كانت القاعة مليئة بالحضور، وكنا أنا ورفعة بالصدفة جالسين في الصف الأول، فبعد ان انهى محاضرته والإجابة على الأسئلة، سألته عن استعماله للألوان الفاقعة، فاجابني لأنه يعيش في لوس أنجلس وألوان الطبيعة ليست قاتمة كما هي في إنكلترا.
كانت المحاضرة التي القاها آنذاك عن اعماله بعد أن ترك انكلترا، وانتقل إلى كاليفورنيا في مدينة لوس أنجلس، كان يعيش في دار ذات مسبح، وقد رسم بما يسمى دفقة الماء المتطاير، والصورة التي أطلق عليها: (صورة رسام مع شخصين في المسبح)، واشتهرت تلك الصورة وكتبت عنها المقالات. وقد بيعت هذه الصورة فيما بعد في المزاد بتسعين مليون دولار، حيث اصبحت اغلى صورة تباع لفنان ما زال على قيد الحياة.
ما وجدته في هذا الفنان هو تواضعه، إذ لم ينسى جذوره حيث ولد في مدينة بردفورد، يوركشر في انكلترا، عام 1937. كان يحب القراءة، وقد شجعه والداه على ذلك، عندما شعرا باتجاه الفني، واعطاه الحرية التامة في الحلم الذي يتوق أن يحققه ويصبح فناناً. إذ بدأ بالرسم في عمر الثماني اعوام، وكان يقول له والده (لا تهتم بما يقوله الآخرين عنك)، اذ كان والده يشجعه لكي يصبح فناناً.
تعلم أن يرسم بسرعة، وقضى تسعة اعوام في المدرسة، وسافر إلى لندن، ودرس في الكلية الفنية الملكية في لندن. وكان يتصور ان التلامذة في لندن يرسمون أحسن منه، فكان يذهب أسبوعياً إلى المتحف لكي يتفوق على التلامذة في لندن.
رسم صورة والده عندما كان عمره 17 عاماً، وعرضها في معرض ليدز/ Leeds، وباعها بعشرة باونات استرلينية، لكنه سأل والده قبل ان يبيعها، وقال له والده (يمكنك ان ترسم غيرها).
كان من المعجبين بالرساميّن الفرنسيين ماتيس وبيكاسو، وكانت والدته متدينة، لكنها لم تؤثر على اتجاهه الديني، فلم يكن متديناً.
لم يكمل دراسته ولم يحصل على دبلوم، إذ كان ثائراً على اسلوب التدريس والمواضيع التي تدرس، وكان يقضي معظم وقته بالرسم، ولا يحضر الدروس الأخرى التي تدرس بالكلية، لكن سلمته الكلية بالأخير شهادة الدبلوم.
اضافة إلى الرسم، كانت هواية التصوير من هواياته المهمة، وقد تأثر بالحركة التكعيبية في التصوير. وكان يعتبر التصوير محدوداً بالنسبة للرسم، إذ ان الفوتوغراف يمثل اللحظة المجمدة، وليس كالرسم، الذي يأخذ صوراً عديدة ثم يركز على قسم منها ويهمل الباقي. وقد صور صوراً وضعها بجانب بعضها البعض واطلق عليها أسم (The Joiner)، حيث وضع عدداً من الصور بجانب بعضها تعطينا مراحل متعددة للحركة، مثل نزول الدرج، فيتتبع الشخص الذي ينزل الدرج خطوة خطوة.
وبعد تخرجه عام 1961، انتقل للعيش في مدينة لولس انجلس في كاليفورنيا، الولايات المتحدة، وذلك للحرية التي كان يشعر بها من أمثاله، فقد كان مثلياً، وكان يحكم بالسجن آنذاك في إنكلترا على المثليين، حتى عام 1967، وذلك عندما سن قانون معاملة المثليين كأناس طبيعيين غير شاذين.
رسم في تلك الفترة أول صوره التي اشتهر بها وهي: (مسبح يحتوي على شكلين)، حيث اشتهر ديفيد هوكني بتصوير عواطفه من خلال تجاربه التي يعّبر بها عن تلك الحالة التي مرّ بها. كان يحب الماء، والخطوط ترقص كانعكاس حيث تقف العين على ماتراه، ويمكن ان ترى تحت الماء والماء يتوقف عندما ترسم خطاً.
كان يتصور من أنه يعيش في (بوهيميا) لا يهتم بما يقوله الآخرين عنه، وكان شجاعاً فيما يتعلق بهذا الموضوع.
رسم في عام 1966 صورته المشهورة بعنوان الدفقات الكبيرة من رذاذ الماء المتطاير/ The Bigger Splash، وذلك عندما وصل مدينة لوس أنجلس، وشاهد عدداً كبيراً من المسابح في البيوت والمدينة المفتوحة، فهي لا تشبه مدينة لندن أو باريس أو نيويورك، واصبحت الشوارع التي يسوق بها يومياً جزأً من حياته.
اقيم له معرضاً شمل مسيرته لستين عاماً من حياته، حيث عرض الصور التي تمثل مساحات واسعة من الفضاءات في حياته الطويلة، حيث تفنن بامكانيات "الميديا الجديدة" التي تعطينا تعبيراً حياً في عرض مفرح قريب من الحقيقة.
رسم والدية أيضاً وأظهر شخصيتهما، ورسم المناظر الطبيعية خلال الطفولة والأصدقاء، والكراسي الخالية التي تعّبر عن فقدان الأحباء. كان يفضل رسم شخصيات يعرفها شخصياً. لذا يقول: (عندما زاره الملك شارلس، وقضى ساعة في مرسمه، لم يعرض عليه ان يرسمه).
ولم يتقيد بموضوع معين، وعندما كان في نيويورك اطلع على صورة لفيفة/ scroll صينية طولها عدة أمتار، وقضى ساعات في الإطلاع على توزيع الفضاءات ورسم المدن والبيوت والشوراع في تلك اللفيفة.
قضى عاماً في نورمندي في فرنسا في موسم الشتاء والربيع والصيف والخريف، ورسم الطبيعة في جميع فصولها. وكان يستعمل آخر التقنيات التي تتعلق بالتصوير والرسم.
فالعالم بالنسبة للرسام هوكني حسبما يراه، "عالم جميل جداً، ولكن معظم الناس لا ينظرون كفاية، فهم يمسون الأرض التي يسيرون عليها، من دون النظر إلى الأشياء بصورة جيدة وبشكل لا يصدق بالكثافة التي ينظر إليها".
ويقول: لا أدري كم بقي لي من الوقت، وكل ما أحتاج إليه هو اليدين والقلب والروح وكذلك خلال هذه المدة القدميين طبعاً. فقد بلغ سن الثامنة والثمانين من العمر، وما زال يجلس ساعات يرسم في مرسمه في لندن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

بروتريه: فيصل السامر.. قامة شامخة علماً ووطنيةً

موسيقى الاحد: 250 عاماً على ولادة كروسيل

الحكّاء والسَّارد بين "مرآة العالم" و"حديث عيسى بن هشام"

في مجموعة (بُدْراب) القصصية.. سرد يعيد الاعتبار للإنسان ودهشة التفاصيل الصغيرة

شخصيات اغنت عصرنا.. الملاكم محمد علي كلاي

مقالات ذات صلة

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة
عام

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

أدارت الحوار: ألكس كلارك* ترجمة: لطفية الدليمي يروى كتابُ مذكرات لي ييبي Lea Ypi ، الحائز على جائزة، والمعنون "حُرّة Free" تجربة نشأتها في ألبانيا قبل وبعد الحكم الشيوعي. أما كتابُها الجديد "الإهانة indignity"...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram