المدى/متابعة
تشهد مناطق الأهوار في جنوب العراق أزمة بيئية غير مسبوقة نتيجة موجات الجفاف المتتالية وتراجع مناسيب المياه، مما أدى إلى انحسار المسطحات المائية، ونفوق كميات كبيرة من الأسماك والجاموس، وتفاقم معاناة سكان هذه المناطق المعتمدين على المياه كمصدر أساسي للرزق. وتقرّ التقارير البيئية الرسمية بأن أهوار العراق، المدرجة على لائحة التراث العالمي، باتت تواجه خطر الزوال ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة وجادة.
يقول الخبير البيئي محمد الندا في حديث تابعته (المدى) إن “الأهوار تمرّ بأسوأ حالة جفاف منذ عقود، فالمياه الواردة من نهري دجلة والفرات لا تكفي لتغطية حتى 15% من مجمل مساحة الأهوار الأصلية”. ويضيف أن “السياسات المائية الإقليمية، لا سيما بناء السدود في تركيا وإيران، إلى جانب ضعف الإدارة الداخلية للموارد المائية، تسببت بكارثة بيئية حقيقية”.
ووفقًا لبيانات وزارة الموارد المائية العراقية، فقد انخفضت مناسيب المياه الواردة إلى الأهوار بنسبة تزيد عن 60% مقارنة بالأعوام السابقة، فيما تشير أرقام رسمية إلى نزوح أكثر من 4 آلاف عائلة من سكان الأهوار في محافظات ذي قار والميسان والبصرة خلال العامين الأخيرين، بسبب تدهور البيئة وفقدان مصادر العيش.
وأكد مدير عام دائرة الاهوار في وزارة الموارد المائية، محمد خلف عبد الله، في حديث تابعته (المدى)، أن "التقارير الواردة من فرق الرصد الميدانية تؤكد نفوق أعداد كبيرة من الجاموس نتيجة قلة المياه وارتفاع ملوحتها"، مشيرًا إلى أن "الوزارة تعمل على تأمين الحد الأدنى من الإطلاقات المائية لإنعاش مناطق الأهوار، لكنها تواجه تحديات كبيرة في ظل شحّ الموارد المائية القادمة من دول المنبع".
من جانبه، عبّر الناشط البيئي علي الكعبي عن خيبة أمله من ضعف الإجراءات الحكومية في مواجهة أزمة الأهوار، وقال إن "الجهات الرسمية تكتفي بالتصريحات دون أن تضع حلولًا استراتيجية أو دبلوماسية للضغط على دول الجوار لتأمين حصة العراق المائية".
وأضاف أن "ما يحدث اليوم في الأهوار ليس مجرد جفاف موسمي، بل انهيار متكامل لمنظومة بيئية عريقة تشكّل جزءًا من الهوية العراقية".
وفي تقرير صدر مؤخرًا عن بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي)، حذّرت المنظمة من “الآثار المدمرة لتغير المناخ وسوء إدارة المياه على سكان الأهوار”، ودعت إلى “تعاون إقليمي عاجل وإطلاق مشاريع مستدامة لإنقاذ هذه الأراضي الرطبة الفريدة من نوعها”.
وتُعدّ الأهوار من أكبر الأراضي الرطبة في الشرق الأوسط، وتاريخيًا كانت موطنًا لحضارات قديمة، ومصدرًا مهمًا للتنوع البيولوجي. إلا أن استمرار الجفاف وانعدام الخطط الفاعلة لإنقاذها بات يهدد ليس فقط التنوع البيئي، بل الاستقرار المجتمعي أيضًا في جنوب العراق.
وبينما يترقب السكان المحليون أي بارقة أمل في موسم أمطار قادم أو اتفاق مائي محتمل، تبقى الأهوار تنزف ببطء، لتتحوّل من جنّة مائية إلى صحراء متشققة، شاهدة على فشل بيئي متراكم قد لا يمكن تعويضه.










