متابعة / المدى
تواجه السياسة الأوروبية الجديدة للهجرة انتقادات حادة من منظمات إنسانية وخبراء أفارقة، بعد تسريبات عن مقترح للمفوضية الأوروبية يقضي بربط المساعدات التنموية والمالية بمستوى التعاون الذي تبديه دول المنشأ في مجال إعادة المهاجرين المرحلين ومراقبة حدودها. وبحسب وثائق حصلت عليها «فاينانشال تايمز» ووكالة رويترز، فإن البلدان غير المتعاونة في هذا المجال قد تواجه خفضًا في المساعدات الأوروبية.
المنظمات الإغاثية وصفت هذا التوجه بأنه «تشويه لأهداف التنمية» و«حل سياسي قصير الأمد» لا يعالج جذور الأزمة. وتقول منظمة أوكسفام إن المقترح الأوروبي يعكس تحولا من منطق الشراكة إلى الإكراه.
ويأتي هذا التحول وسط تزايد الضغوط السياسية في دول أوروبية مثل ألمانيا وإيطاليا واليونان، التي تواجه رفضًا شعبيًا متناميًا لاستقبال المهاجرين، بالتوازي مع ارتفاع أعداد الوافدين إلى جزر المتوسط، ومنها جزيرة كريت التي استقبلت أكثر من ألفي مهاجر في تموز 2025 وحده.
يرى خبراء أفارقة أن ربط الدعم التنموي بالتحكم في الهجرة يمثل سياسة استعمارية جديدة تقوض السيادة الأفريقية وتكرّس التبعية. وتقول الباحثة في جامعة ماغديبورغ الألمانية ماريا أيوك إن الرسالة الأوروبية واضحة: «امنعوا شعبكم من الهجرة وإلا ستفقدون المساعدات»، معتبرة ذلك إكراهاً وليس تعاوناً.
ويضيف المستشار الأمني الغاني فيديل أماكي أوفوسو أن السياسات الأوروبية تتجاهل الدوافع الحقيقية للهجرة، مثل الفقر، والبطالة، والتفاوت التنموي، والصراعات، وضعف البنى التحتية. بينما يشير المحلل السياسي النيجيري بول إيجيمي إلى أن «إغلاق الأبواب وبناء الجدران لن يحل المشكلة»، مشددا على أن سوء الإدارة وليس الفقر هو ما يدفع الشباب إلى الهجرة. ويعتقد الخبراء أن السياسة الأوروبية قد تؤدي إلى نتائج عكسية، وتدفع الدول الأفريقية لتعزيز شراكاتها مع قوى بديلة مثل الصين والهند وروسيا، خصوصًا إذا استمرت بروكسل في استخدام المساعدات كأداة ضغط. ويقول أوفوسو إن «كلما زادت عزلة أوروبا في ملف الهجرة، زاد انجذاب أفريقيا نحو الشرق»، محذرًا من أن فرض القيود على الدول الجادة في التعاون سيقوض الثقة ويدفعها نحو خيارات بديلة.
رغم الانتقادات الموجهة للسياسات الأوروبية، يحمّل خبراء مسؤولية جزئية أيضًا للحكومات الأفريقية، التي يصفونها بالعاجزة عن تمثيل مصالح القارة. وتقول أيوك: «القيادات الحالية لا تمثل أفريقيا، بل تمثل مصالح النخب». وتدعو إلى حشد إرادة سياسية للتحول من التبعية إلى التنمية الذاتية، مستندة إلى الموارد الضخمة التي تملكها القارة.
ويقترح إيجيمي وضع اتفاقيات تسمح بإعادة استثمار كفاءات المهاجرين، لا سيما العاملين في القطاع الصحي، داخل دولهم الأصلية من خلال تحويلات مالية موجهة لتطوير قطاعات التعليم والصحة.
ويجمع الخبراء على أن السياسات الأوروبية، إذا ما استمرت بالمنحى ذاته، ستضر بالعلاقات طويلة الأمد مع أفريقيا، ولن تعالج الأسباب الجذرية للهجرة. وتقول أيوك إن «الهجرة يجب أن تكون منظمة، لكنها لا يجب أن تُستخدم كسلاح سياسي»، فيما يدعو أوفوسو إلى رؤية تشاركية قائمة على الاحترام، مؤكداً: «على أوروبا أن تتوقف عن النظر إلى أفريقيا كمشكلة، وأن تبدأ بمعاملتها كشريك حقيقي».










