رفعة عبد الرزاق محمد
منذ ان ولجت عالم التاريخ العراقي الحديث ، كان تاريخ الصحافة العراقية في مقدمة ما اهتممت به ، وقد دلني الامر الى ان تاريخ الصحافة في العراق قد شهد ظهور ععد من الصحف ، عدها الباحثون مدارس صحفية لتميزها واهميتها التاريخية ، نذكر منها جريدة العراق التي اصدرها رزوق غنام عام 1920 وجريدة البلاد التي اصدرها رفائيل بطي عام 1929 وجريدة الاهالي لسان الحركة الديمقراطية التي صدرت في عام 1931 .
وبسبب عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي لم تظهر جريدة عراقية يمكن ان نعدها مدرسة صحفية في عهود ما بعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958 . واستمر الامر الى سقوط نظام الحكم الشمولي عام 2003 ، والانفجار الصحفي الذي صدرت به نحو ثلاثمئة جريدة او مجلة في اقل من سنتين من عمر التغيير في مقدرات السلطة والحياة العامة في العراق ،تتباين اهميتها ورصانتها ، بالرغم من صدور عدد من الصحف المرموقة التي لم يألفها العراقيون في العهد السابق .
غير ان الحدث الكبير في هذا التطور هو انبثاق جريدة يومية باسم ( المدى ) عن مؤسسة المدى للثقافة والفنون ةالاعلام . يرأسها احد صحفيي العراق المرموقين هو الاستاذ فخري كريم ، الشخصية الوطنية والديمقراطية المعروفة .. وصاحب التجربة الصحفية المهمة منذ عقود . ومنذ عددها الاول ادرك الكثيرون انهم امام جريدة عراقية من الطراز الاول الذي يذكرنا بمدارس الصحافة المتميزة ، حافلة بكل فنون الصحافة الحديثة المؤثرة ،وانها جديرة بموقع فريد في تاريخ الصحافة العراقية.
لقد كان واضحا ان صدورها كان وفق المشروع الوطني الديمقراطي ، والنزعة المدنية الخالصة ، وانها ضد الاستقطابات الطائفية والأثنية ، والتزامها نهج التحرر الوطني والاجتماعي ، وتبنيها فضاءا حرا وخلاقا وابداعيا . وقد فتحت الجريدة منذ صدورها الاول قلبها وعقلها للكتاب من مختلف التيارات الوطنية المبدعة .. لتصبح مجلداتها في السنوات المنصرمة سجلا حافلا بكل ما هو جديد ومفيد ، وليست صفحات مطبوعة لتزجية الوقت ، بل وضوحها الكامل في انتهاج موقف وطني متحرر .
وانت تقرأ ( المدى ) ستجد ما يسمى بالعمود الصحفي ، والجريدة تعج بهذه الاعمدة ، لمختلف الاسماء اللامعة للكتاب والمنشئين في العراق ، وهم يخوضون في مختلف مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وفق المنهج المفتوح لكل الاراء الجادة والرصينة . حتى تجد نفسك امام معترك فكري متنوع ومبدع ، فضلا عن الملفات التي فتحتها الجريدة وتحقيقاتها االمثيرة والاستقصائية .
على اني اود القول بما يناسب اهتمامي وعملي في هذه الجريدة منذ ستة عشر عاما من ان ابرز مظاهر التميز في ( المدى ) اصدارها الملاحق الاسبوعية المتميزة التي عدها الكثيرون من افضل ما قدمته المدى لتوثيق المشهد الثقافي في العراق والبلاد العربية والعالم .
فمنذ تأسيسها في الخامس من آب عام 2003 حاولت المدى الصحيفة أن تقدّم كل ما هو جديد في مجال الصحافة الورقية ، وأن تخوض تجربة الملاحق الأسبوعية المتخصصة . كانت البداية مع ملحق ذاكرة عراقية الذي يصدر كل يوم اثنين ، وهو يُعنى بتاريخ العراق الحديث من جوانبه المختلفة، ويحاول تقديم تفاصيل الحياة بالعراق في الجيل الماضي أو ما يسمى بالزمن الجميل، فضلاً عن عرضه أندر الصور التاريخية وأطرفها، ويعتمد الملحق معايير واضحة في اختيار مواده، أهمها الجانب الوطني وصدق الرواية ورصانة الموضوع وحداثته. وعندما حظي ملحق ذاكرة عراقية بإقبال متميز من القرّاء ، تقرر أن يصدر ملحق بعنوان عراقيون لإتاحة الفرصة للأجيال الجديدة للتعرّف على رموز العراق ، الملحق الذي يصدر كل يوم خميس، تُقدّم من خلاله شخصية عراقية بارزة، عليها إجماع وطني، ولها دور لامع في مسيرة الحياة العامة وأنماط الإبداع، وذلك عبر مجموعة من المقالات والنُبذ والنصوص، وعادة يتم الاحتفال بشخصية الملحق في اليوم التالي في بيت المدى في شارع المتنبي . كان انفتاح ( المدى ) على الثقافات الانسانية واضحا. ولم تهمل اي باب من ابواب الثقافة والفكر والمعرفة فمدت بصرها الى شخصيات التراث الانساني في مختلف عصوره، وأصدرت ملحق (منارات) يعنى بتقديم شخصيات عربية او عالمية من مختلف عهود الفكر الانساني الى يومنا، ويكرس كل ملحق الجوانب الابداعية والتاريخية المتميزة لكل شخصية.










