سيد محمود
لأسباب مختلفة اعتبر نفسي فردا في أسرة مؤسسة المدى لكن الصحيفة تبقى ذات مكانة خاصة واستثنائية.
فقد حضرت مع مؤسسها الأستاذ فخري كريم الأيام التي سبقت مولدها، و لا أزال أتذكر النقاشات الكثيرة التي أدارها مع رموز الصحافة في مصر قبل أن يستقر على صورتها النهائية.
كانت جلستنا في تلك الأيام قد استقرت على نيل القاهرة داخل فندق (جراند حياة) إذ يتلقي هناك مع المبدع وحيد حامد ورفيقه الناقد علي أبو شادي.
اعتاد فخري كريم على مطالعة الصحف المصرية كل صباح واللقاء مع صناعها لاستطلاع المشهد السياسي والثقافي في القاهرة.
يتلقي مع صحفيين مثل لطفي الخولي وحسين عبد الرازق وصلاح عيسى وأمينة النقاش حتى يصل إلى الجيل الذي سبقني ابراهيم عيسى ووائل الابراشي وعمرو خفاجي وعبد اللطيف المناوي وآخرين.
حين وصلت له صحيفة (القاهرة) التي كانت تصدرها وزارة الثقافة برئاسة تحرير صلاح عيسى (صرت رئيسا لتحريرها بعد سنوات) راق له اخراجها الفني المتميز، ثم طلب مني التعرف على مخرجها الفني الزميل محمد عبد الرشيد واللقاء معه.
بسرعة دبرت لقاء بينهما وعندما التقى به طلب منه ابتكار وتنفيذ أول ماكيت للصحيفة.
استمعت جيدا إلى كل ما كان يتمناه من أجلها، ملامحها وهويتها البصرية ومحتواها ورسالتها السياسية في وقت كان العراق يعيش سيناريو الانتقال من ظلمة الكوابيس إلى نور الأحلام.
وكعادته طلب من زميلي أن ينجز ما طلبه بسرعة فائقة؛ فسهر عبد الرشيد ثلاثة أيام قبل أن يعود في اليوم الرابع بتصور وماكيت تطور لاحقا مع فريق من الزملاء داخل العراق.
ما قاله مؤسس الصحيفة أثار شغفي وحماسي قبل أن تصدر.
أعرف أن الصحف مثل الأبناء، نقلق عليهم قبل أن يولدوا ويرافقنا القلق مهما كبروا، نظل نتابع خطواتهم منذ خروجهم من البيت إلى أن يعودوا هكذا.
نحتارعند اختيار أسمائهم وملامحهم ونقلق على مصائرهم قبل أن يولدوا.
وهذا ما نفعله مع الصحيفة قبل مولدها وعبر اجتماعات لا تنتهي إلى أن نصل لموعد الاجتماع الصباحي وحتى تصلنا أرقام التوزيع.
اليوم وقد بلغت صحيفة المدى عمرها الشاب تواجه مثل غيرها تحديات جسام، لا تقل فداحة عما ينتظر العراق والمنطقة بأسرها.
لا تقل المخاطر التي تواجه المهنة عما تواجهه المنطقة من مخاطر.
المهنة محاصرة وتكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة نظرا لما تواجه من تحديات يتمثل أولها في مساحة الديموقراطية المتاحة عربيا، فالهواء كما يقول يوسف ادريس لا يكفي لتنفس كاتب واحد، كما أن الوسائط الالكترونية والتطبيقات تلتهم الجميع.
وكل أمور تجعل صناع الصحافة على حافة القلق، لكن القلق لا يمنع أداء الواجبات والتمسك بالمسؤوليات وأحسب أن مسؤولية (المدى) مضاعفة لأن منافسيها لا يستندون إلى ما تستند إليه من تراث وتقاليد استقرت الآن خلف (المدى) ميراث يساري علماني مدني يلزمها بمواجهة أصوليات تتنامى وسلفيات متعددة تسعى لمحاصرة أي أمل ومن ثم فإن على الصحيفة أن تواصل تعميق رسالتها وتجذير صلتها في الواقع وهي رسالة تتكامل مع مهام أخرى تتطلع بها (المدى) في إيمانها الخلاق بالمستقبل وهو أمر لا ينشغل الآخرون به لأنهم يسيرون إلى الماضي فهم أملهم وحرفتهم.










