متابعة / المدى
في خطوة دراماتيكية الأسبوع الماضي، أعلنت حكومة الدعم السريع عن اختيار رئيس وزراء ومجلس رئاسي خاص بها، في تحدٍّ مباشر لشرعية الحكومة السودانية.
جاء خبر “الحكومة الموازية” الجديدة قبل أيام فقط من انطلاق جولة جديدة من محادثات السلام التي كان من المتوقع أن تبدأ في واشنطن الأسبوع الماضي، وعلى الرغم من أن أيًّا من طرفي الحرب الأهلية لم يكن سيحضر، إلا أنها كانت ستشكّل أحدث محاولة للولايات المتحدة للتوسط لإنهاء الحرب في السودان، والأولى من نوعها في عهد ترامب الرئاسي. لكن الولايات المتحدة، التي كانت تخطط لاستضافة وزراء خارجية مصر والسعودية والإمارات، ألغت المحادثات التي كانت مقررة في 30 تموز، قبل وقت قصير من بدئها، بسبب خلاف مع المصريين حول صياغة بيان كان من المتوقع صدوره في ختام القمة.
وقد عارض المصريون، الذين كانوا متحالفين بشكل وثيق مع الحكومة السودانية المدعومة من الجيش طوال فترة الحرب، جزءًا من الوثيقة ينصّ على أنه لا يمكن لا للحكومة الحالية في السودان ولا لقوات الدعم السريع أن تلعب دورًا قياديًّا في الحكومة الانتقالية بعد الحرب. هذا الموقف المصري يضعها في مواجهة مباشرة مع الإمارات، التي قدمت دعمًا عسكريًّا لقوات الدعم السريع. أما قرار الدعم السريع بتشكيل حكومة جديدة، فقد بدأ في اجتماعات عُقدت في كينيا مع قادة فصائل أخرى تعارض الحكومة السودانية بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، في شباط من هذا العام. وقد اتحدت هذه الفصائل المختلفة لصياغة رؤية لنظام حكم مستقبلي، وأطلقوا في نهاية المطاف “حكومة السلام والوحدة” في منتصف نيسان. وكما أُعلن في 26 تموز، تم اختيار محمد حسن التعايشي لتولي منصب رئيس الوزراء في حكومة السلام والوحدة. وكان التعايشي قد شغل سابقًا عضوية مجلس السيادة الانتقالي الذي أُنشئ لحكم السودان بعد انقلاب 2019 الذي أطاح بالحاكم السابق عمر البشير. ويتألف المجلس الرئاسي، الذي سيرأسه محمد حمدان دقلو (المعروف على نطاق واسع باسم حميدتي)، من 15 عضوًا، العديد منهم من عناصر الدعم السريع. ويُعد حميدتي القائد العسكري لقوات الدعم السريع والمتمرد الرئيسي في الانقسام الأولي مع الجنرال برهان، وهو الانقسام الذي أشعل الحرب الأهلية المستمرة. الحرب، التي اندلعت في نيسان 2023 بين الجنرالين المتنافسين البرهان (عن الحكومة السودانية) وحميدتي (عن قوات الدعم السريع)، تسببت في نزوح أكثر من 12 مليون شخص، وأدّت إلى ما يمكن اعتباره أخطر أزمة إنسانية في العالم.
الخطوة الأخيرة التي أقدمت عليها قوات الدعم السريع بتعيين شخصيات سياسية لتتولى قيادة الحكومة الجديدة، تزيد من احتمال استمرار الانقسام السياسي والإقليمي في البلاد لسنوات قادمة. ويلخّص مراقبون العوامل التي أدت إلى الانقسامات الحالية في انتشار خطاب الكراهية، وهجمات طيران الجيش التي أدّت إلى مقتل آلاف المدنيين في دارفور، والمزاعم عن استخدام أسلحة محرّمة دوليًّا هناك، إضافة إلى قانون “الوجوه الغريبة” الذي استهدف إثنيات دارفورية في مناطق سيطرة الجيش، وحرمان الكثيرين من حق استخراج الأوراق الثبوتية، وخطوتي إقامة الامتحانات القومية وتغيير العملة في مناطق الشمال والوسط والشرق قبل الوصول إلى وقف إطلاق نار يضمن استفادة سكان غرب السودان من الخطوتين.
من جهته، يرى عدلان عبد العزيز، عضو الشبكة السودانية لحقوق الإنسان، أن تشكيل حكومة موازية في دارفور يبدّد وحدة السودان وقوبل باستنكار دولي، مشيرًا إلى تنديد الاتحاد الأفريقي. وقال إن اجتماع مجلس الأمن والسلم الأفريقي في أديس أبابا ناقش وقف القتال في السودان وإيصال المساعدات الإنسانية وإجراء حوار سياسي شامل.
مجاعة وأوبئة
وتؤثر التطورات الميدانية والتدهور السياسي والأمني في البلاد سلبًا على الوضع الإنساني، وخاصة غربي السودان، إذ تتفاقم معاناة السودانيين في ظل تفشي المجاعة في مخيمات النازحين ووباء الكوليرا في الفاشر ومناطق أخرى، وسط دعوات للهيئات الطبية السودانية بتدخل عاجل لإنقاذ النساء والأطفال.
لكن تقارير أممية تؤكد أن استمرار النزاع المسلح قوّض قدرة الحكومة السودانية على تقديم إغاثة إنسانية وطبية لمواجهة وباء الكوليرا، كما لم تتمكن الطواقم الأممية من أداء أدوار مماثلة بفعل المخاطر الأمنية التي تهدد الفرق الدولية جراء الحرب المستمرة.
وبحسب مسؤول حكومي، ارتفع عدد الوفيات بسبب الكوليرا المنقولة عبر المياه إلى 191 حالة. وفي تصريح يوم الاثنين، قال آدم رجال، المتحدث باسم التنسيق العام للنازحين واللاجئين في دارفور، إن 62 شخصًا على الأقل توفوا في مدينة طويلة شمال دارفور بسبب الكوليرا، كما توفي ما يقارب من 100 شخص في مخيمي كلمة وعطاش في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور. وقد سُجل نحو 4000 حالة إصابة بالكوليرا في المنطقة، وفقًا للبيان.
وأشارت تقارير إلى أنه في شمال دارفور يُجبر الناس على أكل علف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة، مع استمرار قوات الدعم السريع في فرض حصار على مدينة الفاشر، آخر مركز حضري في المنطقة لا يزال تحت سيطرة الجيش.
عثمان أنقارو، من أحد مخيمات النزوح في الفاشر، قال لقناة الجزيرة: “نحن نعاني أيها العالم. نحتاج إلى مساعدات إنسانية، طعام ودواء، سواء عبر الإسقاط الجوي أو فتح الطرق البرية. لا يمكننا البقاء على قيد الحياة في ظل هذا الوضع.” وفي تقرير صدر الجمعة، حذرت شبكة تصنيف مراحل الأمن الغذائي المتكاملة (IPC) من أن الفاشر تواجه مجاعة كاملة، إذ وصلت المجاعة إلى المرحلة الخامسة، وهي أعلى درجة على مقياس الأمن الغذائي المدعوم من الأمم المتحدة، وتعني مجاعة شاملة كارثية.
وقال السكان المحليون إن قوات الدعم السريع تمنع دخول الإمدادات الغذائية، وإن القوافل التي تحاول الوصول إلى المدينة تتعرض للهجوم. وتُباع البضائع التي يتم تهريبها بأسعار تفوق المعدل الوطني بخمسة أضعاف.
عن صحف ومواقع عالمية










