بغداد / تبارك عبد المجيد
في محافظة ديالى، لم يعد السرطان مجرد حالة طبية تُرصد بالأرقام والإحصاءات، بل تحول إلى أزمة إنسانية تمس حياة الآلاف، وتفرض نفسها على الأسر التي تجد نفسها في صراع يومي مع المرض، وسط تحديات مادية ونفسية متزايدة، وخدمات طبية لا تزال تسعى لتغطية الحاجة المتصاعدة.
تقول سجى، إحدى محاربات السرطان في محافظة ديالى لـ “المدى”، إن “التنقل المستمر إلى بغداد، وأحيانًا التفكير بالسفر إلى الهند، لم يكن أمرًا سهلًا على الإطلاق، بل كان عبئًا إضافيًا فوق معاناة المرض. فعلى الرغم من حاجتنا الملحة للعلاج، إلا أن مشقة السفر، والتكاليف المرتفعة، والابتعاد عن الأهل، كلها عوامل أثقلت كاهلنا وزادت من معاناتنا النفسية والجسدية”.
وتتابع بالقول: “أكثر ما يؤلمني ليس فقط الألم الجسدي، بل الشعور بأننا مضطرون إلى مغادرة محافظتنا بحثًا عن حقٍّ أساسيٍّ هو العلاج. وفي كثير من الأحيان، ننتظر شهورًا لمواعيد أو لتأمين دواء، بينما المرض لا ينتظر. لذلك، فإن إنشاء مركز متكامل لعلاج الأورام في ديالى ليس مجرد مشروع صحي، بل هو أمل حقيقي ينقذ الأرواح، ويمنح المرضى فرصة للعلاج دون عناء الغربة”.
كما أن قرب العلاج يُساعد في تحسين حالتنا النفسية، وهو أمر لا يقل أهمية عن الدواء نفسه. نحن لا نطلب المستحيل، بل نطالب فقط بحقّنا في الرعاية والكرامة داخل محافظتنا. وقال الناشط المدني في محافظة ديالى، أحمد العبيدي، إن “مرضى السرطان في المحافظة لا يواجهون المرض وحده، بل يصارعون أوضاعًا اقتصادية صعبة وظروفًا معيشية مرهقة تجعل من رحلة العلاج عبئًا ثقيلًا على كاهلهم وعائلاتهم”.
وأضاف العبيدي لـ”المدى”: إن “رغم جهود الكوادر الصحية وتوفر بعض العلاجات مجانًا، إلا أن هناك تساؤلات كثيرة يطرحها الأهالي دون إجابات واضحة، ما سبب تزايد حالات السرطان في مناطق محددة؟ ولماذا يعاني بعض المرضى من تأخر صرف الأدوية؟ وما مصير من لا يملكون المال للتنقل أو إجراء التحاليل خارج المحافظة؟”.
وأشار إلى أن “تكاليف النقل، والتحاليل غير المتوفرة في بعض الأحيان، وحتى الغذاء المناسب لمرضى السرطان، أصبحت تشكل عبئًا كبيرًا على عائلات بأكملها، في ظل ارتفاع الأسعار وانعدام الدعم الاجتماعي الكافي”.
ودعا العبيدي الجهات الحكومية ووزارة الصحة إلى “اتخاذ خطوات أكثر جدية للوقوف إلى جانب المرضى، سواء عبر دعم مادي مباشر للأسر أو من خلال توسيع الخدمات داخل المحافظة”، مؤكدًا أن معاناة المصابين لا يمكن معالجتها طبيًا فقط، بل تحتاج إلى حلول شاملة تشمل الجانب الصحي والاجتماعي والاقتصادي.
ويُبين أن “المرض ينتشر بصمت، والمعاناة تتضاعف، والمطلوب اليوم ليس فقط رصد الأرقام، بل التحرك الفعلي لإنقاذ حياة مئات المواطنين الذين يصارعون الألم في ظل غياب الدعم الكافي”. ويشير إلى أن التدهور البيئي والتلوث من المخلفات الصناعية والزراعية والنفايات، بالإضافة إلى الإشعاعات المتسربة من مخلفات الحروب السابقة، تُعد من العوامل الرئيسة لانتشار المرض. وفقًا لدائرة صحة ديالى، تسجل المحافظة إصابة واحدة بالسرطان يوميًا، في مؤشر يُسلط الضوء على تزايد مقلق للحالات خلال السنوات الأخيرة. وأوضحت الدائرة أن العدد التراكمي للمصابين بالأمراض السرطانية في ديالى تجاوز حاجز 5000 حالة، جميعها موثقة في سجلات رسمية تحتوي على أسماء المصابين، عناوينهم، وأرقام هواتفهم، وهو ما يتيح متابعة حالتهم الصحية بشكل دوري.
مركز جديد!
يؤكد مدير إعلام دائرة صحة ديالى، فارس العزاوي، أن مركز الأورام السرطانية في بعقوبة يُعد من بين أكثر المراكز تنظيمًا في العراق، لما يقدمه من خدمات علاجية وتشخيصية متقدمة، مجاني بالكامل، حتى للمرضى الوافدين من خارج المحافظة.
ويقول العزاوي في حديثه لـ “المدى”، إن وزارة الصحة بدأت تولي اهتمامًا متزايدًا بمرضى السرطان، مع ارتفاع معدلات الإصابة في مختلف المحافظات، مؤكدًا في الوقت ذاته أن الوضع ما يزال تحت السيطرة في محافظة ديالى، بفضل الجهود الطبية والتنظيمية المستمرة.
وأكد أن “جميع العلاجات المتوفرة في المركز تُعد من الأدوية الباهظة الثمن التي يصعب الحصول عليها خارج المؤسسات الحكومية، إلى جانب التحاليل المختبرية التي تُجرى دون أي مقابل، رغم كلفتها العالية في المراكز الأهلية”.
وأضاف: “المركز لا يقتصر على استقبال مرضى ديالى فحسب، بل يفتح أبوابه أمام المرضى من محافظات أخرى، خصوصًا بغداد، حيث يتم منحهم بطاقات علاجية وإدراجهم ضمن الحصة الدوائية الخاصة بدائرة صحة ديالى”، وأشار العزاوي إلى أن جميع أنواع الأدوية الضرورية متوفرة في المركز، باستثناء نوع واحد من الحقن غير متوفر بشكل دائم.
وكشف العزاوي أن المحافظة تشهد حاليًا المراحل الأخيرة من نصب أجهزة المعجلات الخطية لمعالجة الأورام السرطانية، ضمن مركز علاج السرطان الجديد في بعقوبة.
وتابع بالقول: “زار وفد من وزارة الصحة، برفقة رئيس مجلس المحافظة ومدير عام الدائرة، المركز أمس، واطلع على التقدم في العمل، حيث من المتوقع الانتهاء من تجهيز الأجهزة خلال أربعة أشهر، لكننا نعمل على تسريع الوتيرة، ونتوقع افتتاح المستشفى خلال شهرين كحد أقصى”.
وأكد العزاوي أن أبرز التحديات التي تواجه المشروع هي شح الموارد المالية، مشيرًا إلى أن البناية الجديدة ذات مساحة كبيرة وتحتاج إلى تجهيز كامل بالأثاث والمستلزمات الطبية، مضيفًا: “لدينا حاليًا في المركز القديم نحو 20 سريرًا، بينما المساحة الجديدة أضعاف هذا الحجم، وهناك أكثر من 5 آلاف مريض من داخل وخارج ديالى يتلقون العلاج لدينا”.
وبشأن توفر العلاجات، أشار العزاوي إلى أن “الأدوية تُستلم من وزارة الصحة وتُوزع وفق آلية دقيقة تضمن عدم الهدر، نظرًا لارتفاع أسعار العديد من العلاجات السرطانية”، مبينًا أن “بعض الأدوية غير متوفرة في الوقت الحالي، ونحن بانتظار تجهيز الوزارة، مع الالتزام بعدم شراء أي دواء من خارج القنوات الرسمية إلا بعد فحصه واعتماده من الجهات المختصة”.
كشف النائب عن محافظة ديالى، رعد الدهلكي، عن الشروع بإجراء تحقيق علمي للوقوف على أسباب ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية في منطقتي “دور الزراعة” و”العداي” شمال شرق المحافظة.
وقال الدهلكي في حديث سابق، إن “هاتين المنطقتين شهدتا خلال السنوات الأخيرة تزايدًا مقلقًا في أعداد المصابين بالأمراض السرطانية، الأمر الذي أثقل كاهل الأسر من الناحية المادية والنفسية، وبات المرض يصيب مختلف الفئات العمرية دون استثناء”. وأضاف: “قدمت طلبًا رسميًا لإجراء تحقيق علمي شامل، وفقًا للمسارات المعتمدة، لتحديد الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا الارتفاع غير الطبيعي”.
وأشار الدهلكي إلى أن البيانات الواردة من مركز علاج الأورام السرطانية في بعقوبة تؤكد أن الحالات لم تعد فردية أو معزولة، بل هناك ارتفاع سنوي مطّرد يثير القلق ويستدعي تحركًا عاجلًا.
ودعا النائب وزارة الصحة إلى “التحرك الفوري لتقصي الأسباب والعوامل المحتملة وراء انتشار المرض، لا سيما في ظل وجود فرضيات متعددة تحتاج إلى تحقق علمي”، مشددًا على ضرورة “تشكيل لجنة وطنية عليا تتولى دراسة الظاهرة، واقتراح حلول واقعية للحد من انتشارها والوقاية منها مستقبلًا”.










