المثنى / كريم ستار
شهد دور" المختار" في محافظة المثنى تراجعًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، بعد أن كان يشكّل ركيزة أساسية في الحياة الإدارية والاجتماعية داخل القرى والأحياء، بوصفه الوسيط بين الأهالي ومؤسسات الدولة، والمسؤول عن توثيق الوقائع وحل النزاعات. ويعزو "مختارون" وباحثون هذا التراجع إلى أسباب إدارية واقتصادية واجتماعية متشابكة، مؤكدين أن الدور التقليدي للمختار أصبح مهددًا بالاندثار ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة لإصلاح وضعه القانوني والمالي.
يقول الحاج كريم الحسيني، مختار حي قديم في مركز مدينة السماوة، إن "المختار كان في السابق حلقة الوصل بين الأهالي والدوائر الحكومية"، مضيفًا أن معظم المهام انتقلت اليوم إلى المؤسسات الرسمية، وأصبح المواطن يعتمد على المعاملات الإلكترونية أو مكاتب الخدمات الخاصة، حتى في أبسط الإجراءات.
ويؤكد الحسيني أن مكانة المختار الاجتماعية تراجعت، وأن المكافآت المالية لم تعد تغطي حتى نفقات العمل اليومي. ويقول بأسى: "كان المختار يحظى باحترام كبير، أما اليوم فمسؤولياته محدودة، والمكافأة الشهرية لا تسد رمقًا".
من جهته، أشار مختار في قضاء الرميثة – فضّل عدم الكشف عن اسمه – إلى تحديات مالية وإدارية كبيرة تواجه المختارين، أبرزها تدني مخصصاتهم المالية التي لا تتناسب مع حجم الأعمال التي ينجزونها، مثل توثيق المعاملات وحل النزاعات العائلية. وأضاف أن بعضهم يضطر إلى شراء الأختام والأوراق على نفقته الخاصة، وسط غياب أي دعم حكومي حقيقي.
تشريعات قاصرة
ومحاولات للتعديل
يُرجع مراقبون بداية تراجع دور المختار إلى ما بعد عام 2003، حين أعيد تنظيم الهياكل الإدارية، وتم تقليص صلاحياته بشكل تدريجي. ولم تعد الجهات الرسمية تعتمد عليه لإثبات محل السكن أو التعامل مع الحالات الطارئة، ما أفقده ثقله التقليدي أمام الأجهزة الأمنية والقضائية.
وفي هذا السياق، أكد نائب رئيس لجنة الأقاليم والمحافظات النيابية، جواد اليساري، أن اللجنة تعمل على تعديل قانون المختارين رقم 13 لسنة 2011، بما يضمن تحسين أوضاعهم المالية والوظيفية.
وقال اليساري إن "القانون الحالي لا يضمن حقوق المختار التقاعدية أو الاجتماعية"، مبينًا أن التعديل المقترح يتضمن رفع مكافأته الشهرية من 250 ألف دينار إلى 500 ألف، واحتساب سنوات خدمته لأغراض التقاعد. وأشار إلى أن "التعديل يتضمن تكاليف مالية نأمل أن لا تواجه اعتراضًا من الحكومة"، معتبراً أن هذا القانون سيكون من القوانين المهمة لضمان كرامة المختار.
تحولات اجتماعية
يرى الباحث الاجتماعي جاسم الخطيب أن تراجع مكانة المختار مرتبط بتبدل تركيبة المجتمع المحلي، إذ لم يعد المواطن ينظر إلى المختار باعتباره المرجع الأوحد لحل النزاعات أو توثيق الحالات. وقال الخطيب إن "وسائل التواصل الاجتماعي والوعي القانوني المتنامي، خصوصًا لدى الشباب، جعلت الكثيرين يفضلون التعامل المباشر مع مؤسسات الدولة".
وأضاف أن "الفئات الأكبر سنًا ما زالت ترى في المختار رمزًا للاستقرار الاجتماعي، لكنه فقد الكثير من مكانته أمام تطور أدوات الدولة ومؤسساتها".
وقد رصدت "المدى" خلال جولة ميدانية في أحياء السماوة القديمة، مشاعر متباينة بين المواطنين بشأن دور المختار. المواطن حسين العبودي عبّر عن أسفه لانحسار دور المختار، قائلًا: "كان يعرف الكبير والصغير، ويفهم العادات، ويحل المشاكل قبل أن تصل إلى المحاكم. اليوم، أبسط خلاف قد يحتاج إلى شهور لحله رسميًا".
في المقابل، ترى أم حيدر، وهي موظفة حكومية، أن تقنين دور المختار بات ضرورة: "من الأفضل أن تبقى الدولة هي المرجع الوحيد، لأن بعض المختارين أساؤوا استخدام نفوذهم في السابق".
وسط هذه الآراء المتباينة، تبقى الإجابة على سؤال "هل انتهى دور المختار؟" أم هو رهينة بما ستفعله الحكومة والبرلمان من خطوات عملية لإحياء هذا المنصب التقليدي أو إنهاء وظيفته كوسيط اجتماعي كان يومًا ما جزءًا لا يتجزأ من نسيج الحياة المحلية.










